ما أصعب أن تكتب لأعمى وتنتظر الإجابة من أخرس! أكتبُ أحياناً ليس ليقرأ أحدهُم ويستمتع، إنّما أكتبُ لأقرأ أنا ما كتبتُه بعد حين، أكتب ليستكينَ قلبي، ولتأنسَ روحي ولأعرف ما كنتُ عليه وما وصلتُ اليه، وكما يقولون الأقلام مطايا الفِطَن! أكتب ما لا أستطيع ان أقول، أكتبُ وأقول ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، أكتبُ ما أريد أن يكون!
كنتُ أتمنى لو كانت حكايتي تُكتب بقلم الرصاص تبريه العثرات ليكتبَ بخط أجمل ولأستطيعَ أن أمحو من صفحتي كل ماضٍ لا يستحق الذكر! فأحلامنا قد ألقيت في بئر يوسف ونفوسنا تهفو الى لقاء القافلة بانتظار مرهِق لتلك الأحلام التي لا نبوح بها لأحد!
فعلاً وكما يقولون: إن هذا العصر هو عصر فقدان الحساسية، فقدان التسامي، انه عصر الجهل والكسل والتراخي، عصر الخمول والعجز عن العمل، عصر الحاجة إلى كل ما هو جاهز ومهيأ، ما من أحد يفكر قط اليوم، قليلون أولئك الذين يقدرون أن يصنعوا لأنفسهم فكرة هذه الأيام، انه عصر العقوق تكتشف على حين غفلة أن طابور تضحياتك يقف على العتبة الخطأ وأن مَنْ بذلتَ حياتك من أجل سعادته يكاد لا يذكر لك معروفا واحدا قمت به لأجله.
نحتاجُ الى جلسة استثنائية مع أنفسنا لنعيد ترتيب ما فعلته بنا الأيام، فالحكايات تموت مع الوقت، ولا شيء يدوم الى الأبد، وكل ما اكتشفتُه من سوءاتهم بتقادم العمر، كان مغلفاً بالأكاذيب كي يبدو نبيلا! وبعد أن أبدتْ ليّ الأيامُ ما كنتُ جاهلاً، وجاءني بالأخبار من لم أتوقعُ ...... ضربتُ بالحماقات كلها، وبالفوضى كلها، وبالأكاذيب كلها عرض الحائط، ولم أعد أسأل الكاذب لماذا تكذب؟ لأنه سيجيبني بكذبة أخرى!
نحتاج الى جلسة استثنائية لنرسم للحياة لونها الجميل رغم ما لاقيناه من تعب، فالعابرون في حياتنا كُثر ومن أراد الخروج منها فإننا سنرافقه الى الباب، لقد كبرنا مع تجربتنا وتبين لنا أن المواقف وحدها تظهر الناس على حقيقتهم! ولكنهم بتوهمهم الفهم ظنوا أن أدبنا خوفاً، لأنهم لا يعرفون المودّة إلا بالمقابل.
نحتاج الى جلسة استثنائية نتحدى بها ذواتنا، لأننا تغيرنا كثيراً، وتوالت علينا الطعنات، واكتشفنا ان الوحدة أجمل، وأن الصمت أرقى، ومن لا يشعر بصمتك لا يفهم حديثك، لم نعد نعرف عن بعضنا سوى أننا على قيد الحياة، نحتاج الى جلسة استثنائية نعالج بها آلامنا بأنفسنا فالحياة لم تعد بتلك البساطة التي تخيلناها منذ زمن! لكنها ربما ستبدو رائعة إذا تركك الناس وشأنك!