قد نحتاج إلى شيء من الخيبة لِتُفتَح أمامنا كل الأبواب؛ فالشدّة وحدها تعرف أن المواقف تقودنا لمعرفة أنفسنا بعمق أكثر فنفرق بين حال مضى و حال قادم.
الكل يرمي بالأحمال على كتف ظرف الزمان، فيحدث أحيانا أن لا نرضى، ويحدث أن يختطفنا اليتم كل لحظة ترقب، ويحدث أن نشتهي عمرا آخر، فماذا تساوي مدينة خلت من المواعيد، والترقب فيها مات فصارت فقيرة إلا من تلك اللحظات التي صادف أن رسمها طرف القلم بلا ميعاد، قديما قالوا إن الفقر فقر النفس لا فقر اليد، وما أصدق ما قالوا ..
ستظل ترتعش أصابع النور تحت ظل النجمة، ولا شيء سيمحي أرق ملامح الناس المتعطشين لفرح الحياة ورغدها؛ لينتهي النهار و يأتي آخر و البدر لا زال يتهجى خطوط المستقبل، علّ بصيص أمل ينطلق على شفاه السهارى ليكون أنفاس نهار جديد للحياه.
كلنا أسكَنَنا العمر في حروفه فحصدنا فرحا مرة بتناسيه، ومرة بأماسيه، وكلُّنا نحمل وجها آخر يتعبه الرحيل وتناقل النقاط من مكان لمكان، ورغم ذلك نتابع المسير ولا نقف يوما على عتبات الممرات ودهاليز الاحداث التي رافقت امواج التفكير المتخم بالتفاصيل، لكن وحده من يعرف طعم الكلمات يركن لبوابات الصمت و يرخي للصور قدرا من خيال و يُتما يحمله من الوريد الى الوريد، فوحده الصمت يعلمنا أن نلتقط الجراح الأكثر عمقا ليصبح أبلغ من كل الكلام؛ فالصدق الذي يزلزل براكين اللغة هو نفسه من يصيبها بالشلل فتتراجع على عتباته الشكوى بين أنين ووجع.
مشكلة الوحدة أننا لا نعود نرى إلا أنفسنا..!
ماذا يعني ذلك ؟؟
يعني أننا نرى من نفتقد في أنفسنا و نتلمس حقائق الجراح و تاريخها، وبرغم امتلائنا بوجه من نحب، إلا أن كثيرا ما يكون باب الكبرياء موصدا و ثقيلا ليصبح الأمل فجأة درعا مثقوبا يهّرب حلاوة الحياة من أمام أعيننا.
تحرروا لا تعيشوا مثقلين باليأس مهما حدث؛ سينمو في القلوب الحب مهما حدث؛ فالخسارة تنبيه أن الحياة تحتاج إلى صبر أكثر و جهد أكبر و طاقة من التحمل تفوق الملل.
الدستور