لم يكن من أعزّ أصدقاء أبي، وزميلاً له ومن ثمّ زميلي فحسب، بل كان جار أبي ومن ثمّ جاري أنا، وحين رحل والدي كانت أجمل الكتابات عنه من قلمه، وبدا فيها وكأنّه يرثي نفسه لا صديقه الصدوق.
فهد الفانك هو الذي أدخلني إلى عالم المجلات، فقد كانت تصله عشرات المجلات الاجنبية فيقرأها، لتجمعها زوجته الغالية وتعطيني إياها لأكتشف أنّه وضع علامة هنا أو هناك، أوقصّ موضوعاً ما واحتفظ به، وكانت الغرفة التي يقرأ ويكتب فيها تقابل بيتنا، ولا أتذكّره إلاّ جالساً فيها لا يكلّ ولا يملّ من العمل لساعات وساعات.
في سيارة الفوكس فاجن الصغيرة كان يحشرني مع أولاده كل صباح ليوصلنا إلى المدرسة، وحين تشاركنا غرفة الفندق في بغداد بعد ذلك بثلاثين سنة باعتبارنا زملاء ذكّرني بذلك، معترفاً بأنّه سعيد لأنّ أبناءه لم يخوضوا في الصحافة والكتابة والسياسة.
أبو جهاد كان يكتب سبعة أيام في الاسبوع، ولا يمكن لأحد أن يُسجّل له غياباً واحداً، فقد كان يحرص على أن يترك لدى رئيس التحرير مقالة بديلة في حال قُمعت مقالته الأصلية، ومن الأقوال المأثورة لوالدي: هناك أربع صحف يومية في الأردن.. الرأي والدستور والشعب ومقالة فهد الفانك.
كتبتُ عنه عدة مرات مؤيداً ومخالفاً، ولم يبخل في الكتابة عنّي وفي اصداراتي الصحافية، وكما أنهى مقالته في رثاء والدي بذكر دور والدتي في نجاحه وتفوقه، أنهي بالقول إنّ أم جهاد الفاضلة كانت السرّ في نجاح وتفوّق فهد االفانك، رحمه الله.
السبيل