قد يكون تاريخ البشرية في أحد ابعاده تاريخ الهجرات، سواء كانت اسباب الهجرة البحث عن الكلأ والماء او عن ملاذ من خطر مقيم او من اجل طلب العلم حتى لو كان في الصين!
والشاميون هاجروا مرارا شأن كل عباد الله ، لكن ليس على هذا النحو الذي نراه في ايامنا، بحيث تدفع الحاجة وهي ام الاختراعات جميعا كلها صبية شامية الى تصنيع سترة نجاة من الغرق، وكما تقول كان والدها المهاجر بحرا من حفّزها على ذلك خوفا عليها، وحين هاجر الشامي غربا وقطع الفيافي والبحار شيّد اندلسا غربت عنها شمس العرب لكن شواهدها واطلالها وغرناطتها ما تزال تتحدث العربية، وكذلك النخلة التي عانقها الصقر وهو يبكي من شدة الاغتراب .
هاجر الشامي الى مصر في القرن التاسع عشرلا هربا من عسس الباب العالي والتتريك، ووجد في الكنانة تربة خصبة ورافعة حضارة للمساهمة في نهضة لو لم يتم اجهاضها لكان العرب الان في وضع آخر، وهاجر الشامي الى امريكا اللاتينية ولم يمت منسيا على قارعة الجغرافيا ورصيف التاريخ، وهناك من اصبحوا رؤساء جمهوريات واصحاب نفوذ، ومن الناحية الادبية اضاف الشامي المهاجر الى الشعر العربي ديوانا اخضر اسمه شعر المهجر!
هاجر هؤلاء سباحة او بوسائل بدائية، وكانت شموس المنافي بانتظارهم، لكن في زمن الطائرات ووسائل النقل الحديثة والآمنة اصبح الشاميون يموتون غرقا، وما من اكفان او قبور الا ما ينسجه البحر من زرقته وما ينتظر الوليمة البشرية من ضواري المحيطات.
الصبية التي اخترعت سترة نجاة من الغرق ارسلت من حيث لا تدري برقية بكل لغات العالم تفتضح فيها زمنا عربيا من الرماد واوطانا تأكل بعضها ونفسها ايضاَ!
فما الذي تغير في هذا التاريخ بحيث اصبح داجنا يعيش على العلف وحده، وما الذي انتهت اليه حضارة ارضعت البشرية كلها من فائض ما ابدعت ؟
ان امة برمتها بحاجة الى سترة نجاة لا من الغرق في البحر بل من الغرق في دمها!!.
الدستور