الأردن والملف الفلسطيني .. أسئلة برسم القلق
رومان حداد
19-03-2018 10:25 AM
لا يمكن الجزم بوجود سيناريو محدد لحل القضية الفلسطينية لدى أصحاب القرار الدولي واللاعبين الإقليميين المؤثرين على المشهدين السياسي والميداني، رغم الكلام الكثير عن صفقة القرن، وهو ما يفتح الحالة الفلسطينية لتقسيمها إلى مشاهد منفصلة ومتتالية، مع إمكانية خضوع كل مشهد لقراءات متعددة، وهو ما يعقد الصورة الكلية ويزيدها ضبابية ويحجبها بقراءات وقراءات، فنحتاج إلى قراءات جديدة لمحاولة إزالة (التغمية) عن سيناريو الحل للقضية الفلسطينية.
وبالتالي فالتغيرات الحاصلة على الأرض في القضية الفلسطينية تثير الشهية لقراءاتها ومقاربتها لمحاولة الوصول إلى أقرب صورة توضيحية للحالة الفلسطينية المستجدة، وقراءة انعكاساتها الإقليمية، وانعكاساتها على الداخل الأردني، فتراجع تحرك السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه غزة وحماس، وضعف إمكانية التقارب مع دحلان، بعد محاولة اغتيال كل من رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد االله، ومدير المخابرات ماجد فرج، له انعكاسه المباشر على المصالحة الفلسطينية، فقد ازداد ارتياب السلطة الوطنية من حماس وحليفها المستجد محمد دحلان.
وهو ما يدفع سؤال التوقيت إلى الواجهة، وكيفية تأثير إعادة التمركز الأطراف الفلسطينية على العملية برمتها.
كل ذلك يحصل في وقت يتمع به ممثلون رسميون من جميع دول الخليج مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي والأميركي في صالة من صالات البيت الأبيض قبل أيام لمناقشة الوضع الإنساني في غزة، ليكون اول اجتماع علني بين مسؤولين خليجيين ومسؤول إسرائيلي، دون أن يذكر الإعلام العربي أي شيء عن الاجتماع، في الوقت الذي يرى فيها جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط أن هذا الاجتماع يشكل اختراقاً دبلوماسياً مهماً، ويشكل أرضية جيدة للانطلاق في تسوية وتطبيع العلاقات الخليجية مع إسرائيل وفي هذا الوقت لا يبدو أن الأردن الرسمي قادر على بناء مقاربة تقوم على مبدأ السيناريوهات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ويظل التمسك علنا وضمناً بشعار حل الدولتين، والقدس عاصمة لدولة فلسطين، هو المقاربة الوحيدة لدى الأردن الرسمي، مع إدراكه العميق باستحالة تحقق ذلك بحكم ما يحدث على الأرض من تغييرات للأمر الواقع، ومجموعة الظروف الإقليمية والدولية التي لا تقف في صف مرير هذا التوجه.
ويبدو أن هناك شعورا أردنيا بخيبة الأمل من الموقف العربي بهذا الخصوص، مع إدراكه عدم قدرة السلطة الوطنية على الوقوف بوجه ما يطبخ لحل القضية الفلسطينية داخل أروقة البيت الأبيض، والزيارات المعلنة وغير المعلنة للمنطقة من قبل كوشنر.
وفي ذات الوقت لا يبدو أن هناك حالة عطب سياسية تمنع الأردن من الوصول إلى العقل المركزي الأميركي ليعرف ما يفكر به الأميركيون تجاه حل القضية الفلسطينية، وهو ما يؤشر إلى اهمية مطبخ سياسي أردني قادر على التعامل مع ما يستجد من أحداث قد يؤثر على شكل الحل النهائي للقضية الفلسطينية، حيث يبدو أن ما يقرره الأمريكان في هذا الشأن سيسقط على رؤوسنا كقدر لا نقدر على التصدي له.
لا يكفي اليوم القول إن حالة الفوضى في المنطقة وتغير التحالف وموازين القوى تمنعنا من التحرك بفاعلية تجاه ما يؤثر على مصالحنا الوطنية العليا، ففي الوقت الذي تعتبر القضية الفلسطينية ملفاً خارجياً لغالبية الدول العربية الشقيقة أو ورقة يمكن الاستفادة منها في صفقات أخرى، فإن الحال مختلف جداً بالنسبة للأردن، فالقضية الفلسطينية هي قضية وجود أردنياً وملف داخلي حساس بامتياز.
لذا علينا بناء مقاربات متعددة لمنع حدوث ما يقلب الطاولة علينا، وهو ما يتطلب منا خلق مطبخ سياسي نوعي، يضم خبرات ومفكرين متعددي المنابع الفكرية والسياسية، واعتبار الموضوع مسألة وجود، والتعامل معها بأقصى درجات الحرفية، التفكير خارج الأطر التقليدية، سواء في تقديم حلول بديلة أو بناء تحالفات غير تقليدية، وآمل ألا نتأخر حتى لا نتفاجأ بالتائج كما تفاجأنا بنقل السفارة الأميركية للقدس.
الرأي