رسالة هنية إلى عمّان .. هل نلتقطها؟
د. محمد أبو رمان
28-03-2009 05:42 AM
في أول ظهور علني له بعد العدوان الإسرائيلي على غزة قام اسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني في حكومة غزة، بزيارة المستشفى الميداني الأردني، وأطلق تصريحات تتضمن رسائل تستدعي قراءة أردنية متفحصة.
الإشارة الأولى تكمن في زيارة هنية، بحد ذاتها، إلى المستشفى الميداني الأردني، وتثمينه للموقف الأردني ملكاً وحكومة وشعباً، وتقديمه باسمه واسم الشعب الفلسطيني هدايا رمزية للملك تتمثل في مجسّم للمسجد الأقصى وصندوق في داخله قرآن كريم، وفي ذلك رسالة إيجابية وتحية معبرة من حكومة حماس تجاه الأردن والدور الدبلوماسي الملحوظ الذي قام به لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.
زيارة هنية للمستشفى الميداني الأردني هي، أيضاً، بمثابة ردّ واضح على ما أوحى به مقال نُشر على موقع المركز الفلسطيني للإعلام المقرب من حماس، يتهم المستشفى الميداني الأردني بصورة محزنة ومؤذية، ولا تتناسب بأي حال مع المهمة الإنسانية لهذا المستشفى، ما أثار حينها ردوداً إعلامية محلية، هنا، ساخطة وغاضبة.
موقف هنية لم يتزحزح خلال الفترة السابقة، وقد برز حتى في أول مقابلة تلفزيونية أجراها الزميل ياسر أبوهلالة معه بعد العدوان بأيام قليلة، إذ أشاد فيها بالموقف الأردني.
الرسالة الثانية تتمثل في تأكيد هنية على وحدة موقف الحركة مع تصريحات الملك ومواقفه ضد التوطين والوطن البديل، بل ورفع هنية درجة هذا التمازج إلى القول: "نرفض ما يسمى بالوطن البديل، ونحن مع الأردن في خندق واحد في مواجهة ما أسماه جلالة الملك عبدالله الثاني مؤامرة ما بعد العدوان على غزة".
هذه التصريحات الدافئة والحميمية تجاه الأردن، قيادة وشعباً، تعيد طرح التساؤل هنا في عمان مرة أخرى حول جدوى الحوار مع حركة حماس والوصول إلى تفاهمات وتوافقات معها، بخاصة بعد التسريبات التي تحدثت عن "تجميد" الحوار السياسي مع الحركة في الأسابيع الأخيرة؟
أحسبُ أنّ هنالك مصلحة وطنية حيوية أردنية في الحوار مع حركة حماس والانفتاح عليها، بخاصة أنّ مواقف الحركة، وإن اختلفت وتباينت مع موقف الحكومة الأردنية تجاه عملية السلام، على الأقل في اللحظة الراهنة، فإنّها تتفق وتنسجم تماماً مع رفض الجانبين الحاسم والفوري لمشروع "الخيار الأردني"، وأي دور سياسي أو أمني على حساب مشروع إقامة دولة فلسطينية حقيقية كاملة السيادة.
ما يعزز هذه الرؤية المشهد الإسرائيلي الذي ينحاز إلى اليمين وإلى يمين اليمين، ويعلن مواقف ترفض التسوية السلمية، تزعج حتى الطرف الأميركي والغربي، وترفض المبادرة العربية وما تقدمه من عرض تاريخي للإسرائيليين.
إذن، السؤال المقابل المطروح، لماذا نضيّع ورقة حماس، التي تمثل وجهاً آخر من وجوه المواجهة ضد المشروع الصهيوني، وتحمل موقفا أكثر ضمانة وجدية وصلابة في رفض أية خطط لترحيل القضية إلى الجوار العربي.
الاهتمام الأردني الحيوي يظهر بوضوح في الضفة الغربية اليوم، مع تضعضع الشرعية السياسية للسلطة الفلسطينية وبروز مخاطر الفوضى أو القلق هناك، ما يعزز الهواجس الأردنية، ويدعو إلى فتح ملف الحوار مع الأطراف الفاعلة كافة، وفي مقدمتها فتح وحماس، لضمان الاستقرار في الضفة وبناء تفاهمات تشكل حاجزاً ضد أي "فراغ" سياسي أو أمني هناك.
الحوار مع حماس والانفتاح عليها، لا يعني بأي صورة من الصور إعلان الحرب على حركة فتح، أو كسر التحالف الحالي معها، أو حتى استعداء الأميركيين والإسرائيليين والأصدقاء العرب. فالكل اليوم يسعى إلى الحوار مع الحركة وفتح القنوات معها، فضلاً أن الوضع في الضفة الغربية يمس الأمن الوطني الأردني في الصميم.
من حق الأردن تعريف مصالحه وأمنه الوطني وتنويع خياراته، في ظل لحظة تاريخية انتقالية مضطربة، يسعى فيها الجميع إلى حماية مصالحهم، وتعلن فيها إدارة أوباما، بصراحة، استعدادها لإجراء حوار بلا شروط مسبقة مع طهران!
m.aburumman@alghad.jo