لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى / حتى يراقُ على جوانبهِ الدمُ
تعتبر معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ الدولة الأردنية,
دفعت الأذى عن شرف هذه الأمة, غسلت بالدم آثار النكسة,
ضمدت جراح حرب حزيران عام 67 ,إنها صفحةٌ زاهية تروي
حقيقة تضحيات هذا الشعب, بالنصر صار الوطن مهيب
الجانب مرهوب الحمى, لا يدنسه مغرور, لا يتطاول عليه متغطرس, تعلمت إسرائيل درساً
قاسياً وتجرعت كأس المرارة والانكسار.
الهدف العسكري والسياسي لإسرائيل كان احتلال منطقة الغور والمرتفعات المشرفة
عليها, كونها موقعاً استراتيجياً مهماً, للدفاع عن بقاء الأردن كدولة كما أنها تشكل
منطقة عازلة لحماية الجيش والمستوطنات الإسرائيلية من نيران المدفعية الأردنية,
وللضغط على عمان لإجراء محادثات سلام مباشرة.
الساعة 25.5 صباح 21 آذار عام 68 ,أُبلغ القائد الميداني للمعركة المرحوم الفريق مشهور
حديثة الجازي بأن العدو يحاول اجتياز جسر الملك حسين, أعطى أمر فتح نار المدفعية
على مناطق الحشد أينما وجدت, توضأ وصلى الفجر ودعا االله قائلاً «اللهم إنك تعلم أنهم
على باطل ونحنُ على حق اللهم أنصر الحق», تحرك إلى القيادة التعبوية لإدارة المعركة,
بدأت المعركة على ثلاثة محاور رئيسية, محور العارضة, محور وادي شعيب, محور سويمه.
القتال شديد, القصف كثيف, الجميع بايعوا على إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة,
نيران المدفعية والدبابات والمدافع والرشاشات والقنابل وأسلحة مقاومة الدروع تقذف
بحممها في وجه عدوان ظالم, رجال جيشنا العربي يبحثون عن الموت كما يبحث اليهود
عن الحياة, صمود أسطوري وملحمة بطولية, امتصاص لزخم الهجوم, احتواء لتقدم
القوات الإسرائيلية, ثم كسر إرادة اليهود وانتزاع زمام المبادرة منهم والقيام بالهجوم
المعاكس لطردهم خارج الحدود تاركين بعض آلياتهم في ميدان المعركة تحت ضغط
النار, تراجعوا مهزومين يندبون 250 قتيلاً, واحتفلنا بالنصر وبخمسة وثمانين شهيداً
ارتقوا إلى جنات الخلد.
المفاجأة لليهود أن جيشنا كان صلباً, متماسكاً, قوياً, حيوياً, قاتل بشراسة وعناد بقيادة
ملك حكيم بصير, مؤثر في عقول وقلوب الجنود, بارع في استنهاض الهمم وإثارة
الحماس, يتحلى بقوة التعبير وموهبة التأثير, حقق النصر وكسر شوكة اسرائيل فنال
رضا االله ورضا الشعب كبطل قومي محنك قوي الشكيمة.
شوق الجنود والقادة ورغبتهم في القتال كان عظيما, كفرصة تاريخية نادرة للثأر والانتقام
من خصم يشعر بنشوة التفوق والغرور والصلف, يتباهى بالفجوة العلمية والتكنولوجية
والاقتصادية, النصر وقهر الجيش الاسرائيلي في تلك المعركة لا يقدر بثمن, لا يكرره
الزمن, أعطى هيبة للدولة وأنفةً للجيش وثقة للشعب وعظمة للقائد.