الخطوط الحمر وعالم الالوان
د. عاكف الزعبي
18-03-2018 02:04 PM
لم تعد لي اي علاقة من قريب او بعيد بموضوع الالوان منذ ان غادرت مقاعد المدرسه . الى ان خطر لي ان اكتب عن مصطلح " الخط الاحمر" الذي يشيع استعماله كثيراً في اوقات الازمات ، وقد بات على صعود لم نألفه في الاردن من قبل . لا يخلو منه خطاب المعارضين والمحتجين على السياسات الحكومية افراداً وجماعات ، وكذلك اصحاب الرأي المحذرين والمنبهين لاحوال المجتمع والدوله .
ما أن تساءلت في نفسي عن حكاية تعبير او مصطلح " الخط الاحمر" حتى قادني تفكيري الى حكاية " اللون الاحمر" نفسه . فمفردة اللون هي بيت القصيد في المصطلح وليس مفردة " الخط " . الخط في هذا المصطلح لا تتجاوز رمزيته كونه حداً فاصلاً بين مساحتين او منطقتين ليس الا . اما اللون وهو الاحمر هنا فهو الذي يحمل كامل الرمزية كونه اشارة تحذير من الاقتراب من خطر جسيم محدق .
الرمزية في اللون الاحمر انه اشارة للخطر ووجوب الحذر والامتناع وربما التحريم عن الاقتراب من أمر ما والوصول اليه والخوض فيه . وهو ما دعاني بدوره للخوض في هذا اللون الذي يشير الى الخطر . لكنه ما لبث ان شدني للخوض في موضوع الالوان بشكل عام .
ما كان اكتشافاً بالنسبة لي ، ان الالوان ليست موضوعاً كبيراً ومهماً وحسب ، وانما عالم كامل من علم وفن ودلالات رمزية ونفسيه . وفيه من التشويق أيضاً ما لا يخطر على بال خاصة في رحاب دلالاته الرمزية والنفسية .
وقد اذنت لنفسي ان أصحب القارىء الكريم بقدر ما استطيع في جولة من بضعة اسطر في زوايا عالم الالوان المدهش علنا نحظى باقتناص فسحة تنأى بنا مؤقتاً عن توترات اللحظة المحتشدة بالخطوط الحمراء وما الفناه من دلالاتها .
للالوان جانبان مهمان في حياتنا من بين جوانب عديده . الاول ما كشفه العلم عن علاقة بين الالوان وصحة الانسان ونفسيته وهي تختلف من لون لآخر . والثاني ما استقرت عليه ثقافات الشعوب من دلالات رمزية
للالوان ربما يعود مصدرها لما اسماه آينشتاين العادات الفكرية عند الناس.
صحياً اللون الاحمر بالذات يرفع ضغط الدم ، ويؤثر على عمل الغدد ، ويرفع الطاقة النفسية والجسديه ، وينشط الخلايا . ونفسياً ثمة علاقة بين ترددات هذا اللون وترددات خلايا جسم الانسان كما اي لون آخر. ويحب الانسان من الالوان ما كانت تردداته اكثر قرباً لترددات خلايا جسمه .
وعن الدلالات الرمزية الخاصة باللون الاحمر ، فهو من بين اكثر الالوان فيما يحمله من دلالات حيث يرمز للدفء والحب والغضب والخطر والجرأة والاثارة والقوة والطاقة والرغبة والشجاعة والشغف والفرح والرخاء. ترتبط هذه الدلالات بالثقافة والمقام مثلما ترتبط بالزمان والمكان. فإن دلَ على الحب في حال دلَ على الغضب في حال اخرى.
فلماذا لا يكون للخط الاحمر دلالاته المشتقة من دلالات اللون الاحمر التي تنطوي على اختلاف غير قليل ؟ فليس كل تجاوز للخط الاحمر ينطوي على الخطر والشر والمحرمات دائماً . المغامرون والرياديون والمفكرون والمبدعون والعلماء والفنانون والثوار والمصلحون والانبياء في مقدمة هؤلاء جميعاً قادوا البشرية لانهم دون غيرهم استطاعوا ان يتجاوزوا الخطوط الحمراء .
اما السياسه بالذات وهي علم وفن ادارة مصالح المجتمعات فلها مع الخطوط الحمراء شأن مختلف تماماً . هي لا تعترف بالخطوط الحمراء وتلك من بين اهم ميزاتها . فيقين اهل السياسة أنه اذا صحت الخطوط الحمراء المانعة والرادعة في مواضيع كثيرة فإن آخر ما تصح فيه هي السياسه .
بعد ان تيقن الفكر الانساني ان التغير هو ثابت الكون الوحيد اصبح كل شيىء نسبياً وفقدت الخطوط الحمر قدسيتها وصارت مثل غيرها تحمل نسبيتها . والسياسه هذا حالها تسهم بالتغير وتتأثر به وتتغير معه وتنحني له. فلا خصومات دائمة فيها ولا صداقات دائمة ايضاً . الدائم هي المصالح المتغيره ، ومن اجلها تخفت حمرة الخطوط وتتلاشى .