لا شك ان الكثير منّا يراوده هذا التساؤل : من الذي يحدد ماهية مصلحة الوطن ؟ و لربما ان السؤال بصيغة ((من )) هو الخطأ الاول في ولادة هذا التساؤل ، فطالما ان السؤال لم يصبح : ((ما)) الذي يحدد مصلحة الوطن فإننا بذلك لم نزل ندور في حلقة مفرغة تُنتج سياسات تائهة و تطبيق وهمي بائس .
لن أكون مُنظّراً و لن ألحق بركب (منكري غيرِ أنفسهم ) حتى أقرر ما و من يحدد المصلحة العليا حتى لا أعود الى نفس الحلقة المفقودة التي انتقدها ، لكنني أؤكد ان كل من عمل لمصلحة البلد بصدق لم يدّعِ أنه قام بذلك لمصلحة البلد فهو غيرُ مضطرٍ لتبرير فعله الصواب و هو إذ فعل الصواب فانه لم ينتظرْ حمداً لذلك و لا يحتاج الى عباءة فضفاضة يخفي تحتها تباريرَ قبيحة، أولئك الذين كانوا يعملون بصمت كلٌ في حقله و دون تنظيرٍ إعلامي و حُقن تخديرٍ شعبي ، و أقول كانوا لأننا فقدناهم و ربما يكون منهم بيننا لكننا لن نعرفهم الا بعد ان يرحلوا ايضا .
(مصلحة البلد) بالمحافظة على الدينار هي مُبرِر الحكومات المتعاقبة لرفع الأسعار ، و مصلحة البلد هي تبرير نواب احد الدوائر الانتخابية ( في بيان إعلامي ) لتبرير منحهم الثقة للحكومة ، و قبلها مصلحة البلد في إقرار الموازنة التي لا تحتاج الى تشريح لبيان عيوبها ، و (مصلحة البلد) بالمحافظة على نعمة الأمن هي عباءة المستشيِخين و المستوزرين و ( المستعيِنين )إن جاز التعبير) بدعواتهم بإسكات الحراك السلمي الحر الذي عبّر عن غضب الأردنيين من رفع الأسعار حالهم حال أي شعب في العالم.
و كم هي كثيرة عروض السخرية من هذا الشأن و ذاك.
مصلحة البلد ليست معجون أطفالٍ تشكّلونه حسب حاجاتكم ، و اعلموا : إن قام كلٌ منكم بواجبه فإن مصلحة الوطن ستتحقق ، و لا تقلقوا لأن الدستور و القوانين حال تطبيقها ستحمي المصلحة القومية ، فسيادة القانون هي مصلحة الوطن ، و إنكاركم لكل من هم غير انفسكم هو عكس مصلحة البلد التي تتغنون بها.
مصلحة البلد ليست منفاخاً تملؤن به فراغ نفوسكم ، و ليعلم كل من يتستر بهذه العباءة زيفاً و زوراً ان الناس أصبحت ترى كلا منكم بوضوح ، فلن تستر تلك العباءة عوراتكم و سيحاسبكم الله و التاريخ و الشعوب ( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون وستُردّون الى عالم الغيب و الشهادة فينبئُكم بما كُنتُم تعملون) صدق الله العظيم.