القول بصوتٍ مرتفع .. عن الأردن
محمد يونس العبادي
18-03-2018 12:45 AM
ما زال هناك بقايا " مؤدلجين" لم يستوعبوا بعد المتغيرات التي شهدها العالم والمنطقة، وأن النظام الدولي نسبياً استقر في جغرافيته السياسية وأن ما يمكن أن يتغير ليس بالتنظير بل بمقدار تحقيق الرفاه والتمثيل لأي مجتمعٍ.
والأردنيون تجاوزوا عقداً كثيرةً من المتغيرات، وأسسوا دولةً يتطلع اليوم إلى تكريسها كنموذج في المنطقة، بعد طي كثيرٍ من الأحداث ما زال بعض المأزومين يروا في الأردن عقدةً، ولا يريدون أن يتخلصوا مما تجول به أنفسهم حيال تسامحه ومقدرته على التسامي.
مناسبة الحديث مقال لأحدهم، وأحدهم لا ينفك عن الكتابة بذات النفس عن الأردن كدولة كرتونية تتقاذفها أمواج الإقليم ويلح دوماً بالحديث عن المصير مغيباً المعايير والاعتبارات والتاريخ والجغرافيا والوجدان بل والشعب.. !
صاحب المقال الذي أترفع عن ذكر إسمه يرى دوماً في الأردن حالة مؤقتة مستسلماً لفرضية تاريخية روج لها منتصف القرن الماضي كثيرين، مستندين إلى أدبيات إستعمارية بحتة.
ما يجب التأكيد عليه هنا، أن الأردن ذاته لم يتأسس على هذه الفرضيات بل عاندها، وآمن أنه يملك مشروعاً رحباً يتجاوز حدوده، وتوسع هذا المشروع مرة بوحدة الضفتين، وأثبت التاريخ أنها كانت الوحدة الحقيقية الوحيدة في التاريخ العربي المعاصر، ومرة سبقتها حين طرح الملك المؤسس الشهيد عبدالله الأول مشروع سوريا الكبرى بشكلٍ جديٍ، ولكن الإنتداب حال دون ذلك، برغم أن كثيرين من أعضاء مجلس الشعب السوري كانوا على تواصلٍ معه.
وأيضاً، وثائق الاستقلال الأردني التي ليست وثائق عام 1946م وحسب، بل المقصود هنا وثائق الاستقلال منذ اتفاقية أم قيس والمؤتمرات الوطنية والوثائق الشعبية التي أكدت جميعها على عروبة الدولة الأردنية ومعدن مادتها أكدت أن الشعب الأردني شعب حيٌ قادر على التصدي لأي مخطط، وأن الأردن ليس ضعيفاً بالقدر الذي يكون بين " براثن التغيير" وكأنه مادة هلامية قابلة للتشكل.
والإتيان على ضعفه الاقتصادي في كل مرة يطرح فيها الأردن ، فيه ظلم كبير وعدم دراية بالتاريخ، أن الأردن ناور كثيراً لينعتق من أي حالة تربط قراره الوطني بالمال، صحيح أننا نعاني من شح المال، ولكننا في لحظة لا نعاني من شح المواقف ولا شح التاريخ !
ويستطيع المتأمل أن يستقرأ أحداثاً كثيرة في التاريخ الأردني تؤكد أن الأردنيين يؤمنون أنهم حراب دولتهم ، وأن البراثن قادرين على تجاوزها بما يملكونه من قيمٍ.
وصفقة القرن اليوم التي يتداولها كثر وكأنها مسلمة آتية لا مناص منها، وأنها مؤامرة القوي على الضعيف ، هي ليست بهذه البساطة التي يحسبونها، فالأردن دولة عميقة وما يجري في شوارعها أحياناً من حراك وأصواتٍ تطالب بتحسين مستوى الحياة وإيقاف أي نزفٍ للفساد هو حالة طبيعية في ضوء ما نمر به من انسداد جغرافي شمالي شرقيٍ ... والفرج آتٍ فلا يعقب حروباً إلا حالة رخاءٍ والعراق اليوم يصحو شيئاً فشيئاً.
وقبل أن نختم نذكر أن من يستند على المال لوحده دون تاريخٍ وشرعيةٍ وعقيدة مؤمنة بما قدم لا يستطيع أن يتقدم، وأن الأردن وليد شرعية ومشروعية من نخبة العرب التي عملت في المنطقة، وواجهت الإنتداب، أما المال على مفعوله اللحظي القوي فإنه يبقى أداة لا أكثر ، والساعد التي تمسك الدراهم بلا عقلٍ تبقى مترددة، وأحياناً جبانة لأنها نتاج تحالف الجيوب لا تحالف العقول !
ما يدعوك للإستغراب هو حجم الحقد الذي يملأ أقلاماً كثيرة حيال هذا البلد الذي تسامى، لتتساءل دوماً : من أين يأتون بهذه الأحلام المريضة ، ولم لا تتسامون كما تسامى الأردن ، علكم تدركون بعضاً من حكمته التي باتت تستعصي عليكم !