بعد أن أرهقتُ نفسي بالوفاء وبالغتُ في الحُبّ والاهتمام، لم أكن أدرك أن جمال الاهتمام في عفويته وبساطته، .... وضعتُ لهم منزلة عالية في قلبي، ورفعتُ سقف التوقعات بالجميع... وتوقعتُ منهم التضحية.... تجاوزتُ ندمي، وتجاوزتُ هزائمي الكثيرة وفعلتُ ما أستطيع فعله وكنتُ أحاول في كل مرّة أن أكون منطقياً، حتى شعرتُ أن الجميع اتفق على خذلاني ووجدتُ كلاً يريدني حسب حاجته وأيقنتُ أنه لا أحد يستحق أن أغيّرَ ملامحي من أجله وأن الاهتمام الزائد يفقد الإنسان كرامته!
كنتُ أحاول أن أصبغهم بالحقيقة التي تصنعهم وتحررهم من عشوائيتهم رغم أنها كانت تغضبهم وتحزنهم، وأخدع نفسي بكلمة (يمكن)... ولأنني كنتُ أسامح باستمرار كانوا لا يشعرون بأخطائهم، ولأنني أبادر كانوا ينسون ولأنني أهتمّ كثيراً كانوا يهملون! وأقول: إن الحياة لا تعطي دروساّ بالمجان، فعندما أقول إن الحياة علّمتني، تأكّد عزيزي القارئ بأنني دفعتُ الثمن!
الحقيقة تؤلمني وكلما ازدادت وضوحاً عندي زاد أعداؤها، الناس ينكرون الحقيقة ولا يريدون سماعها، ربما لأننا صنعنا غرورهم بأيدينا فلم يعد لقربهم ولا لبعدهم معنى، أو ربما لأن حياتهم أصلاً مبنية على الأوهام ولا يريدون أن تتحطم أوهامهم!
يا أيها المقتولُ خذلاناً: كأنّنا نكتبُ لمن لا يقرأ، ونتألمُ لمن لا يسمع، عندما أكذبُ أكرهُ نفسي، وعندما أكون صادقاً يكرهني الناس،
أيها المقتولُ خذلاناً: بعضُ البشر كورقة الخريف جافّة، مهما رويتها لن تخضَرّ بين يديك... فلماذا نرهق أنفسنا بها؟ لنتركها تذهبُ جُفاءً وتذروها الرياح!
أيها المقتولُ خذلاناً: بعد أن عرفنا أن مَنْ اهتممنا لأمرهم هم مَن يتعبوننا ويمارسون علينا فنون الخذلان! وبعد أن عرفنا أنّ الحياة لا تعدو عن كونها مسرحية بائسة عنوانها، إذا تألمتَ تعلمتَ، وقفنا على ناصية الحزن فيها ننتظر الأمل، ونظرنا من بعيد فإذا بالأمل قادمٌ بصحبة الصبر وحسن الظن والأمل بالله ويقول: أليسَ الله بكافٍ عَبدَه؟ فنردُّ عليه بملء الفم: بلى...
أعتقدُ أنني سأدركُ يوماً من الأيام أن راحة القلب في قلة الاهتمام وأن أقسى ما مررت به كان خيراً عظيماً أنقذني، ليجعلني أقوى مما كنت عليه، وسأدركُ أنّ السعادةَ في الحياة ليست بخوض جميع معاركها، وأنّ الانسحابَ المدبّر هو النصرُ المؤزّر.