تقول القاعدة العقلانية أنّه إذا اختلطت عليك الأمور فارجع للأساسيات. وحيال هذا المخاض الذي بدأ بالتلاطم، وهذا الصخب المفضي إلى الفوضى، بات لازم علينا أن نعود للأساسيات.
وأول هذه الأساسيات التي يجب العودة لها، هو يقيننا الراسخ بأن هذا النظام الهاشمي الذي أثبتت الفوضى العاصفة في الإقليم، شرعيته واعتداله وتأسيسه لقواعد النهضة الأردنية والإسلامية، هو طوق نجاتنا جميعاً، وهو الوحيد الذي يقبل القسمة على الجميع، بعيدا عن المواربة وعن المحاصصة وعن الأنفاق المظلمة الطويلة التي لا يريد أن يدخلها أحد.
وثاني هذه الأساسيات هي قبولنا برسم التنفيذ، لمشروع جلالة الملك الوطني الذي أفصح عنه في سبع أوراق نقاشية، ولم تجد، لسببٍ أو لآخر، نقاشا واعيا يتسم بتحديد طرق التنفيذ.
وثالث هذه القواعد هو مكاشفة الناس ومصارحتهم بالثمن الذي ندفعه استحقاقا لمواقفنا وشهدائنا وتاريخنا الكبير، قبل دفعهم للقبول بالأمر الواقع – الثمن - في الإقتصاد وفي السياسة.
ورابعها، هو التأسيس لمشروع وطني جامع، نؤسس فيه لحكومات ديمقراطية واعية وصريحة وواقعية، بعيداً عن حكومات لا تملك من أمرها شيئا ولا تستند إلى ثقة شعبية تمنحها صلاحيات في إدارة العمل العام.
وخامس هذه الأساسيات، ويمكن أن يكون في ترتيب مختلف فيها، هو إعادة الثقة بهذا الوطن وبتاريخه المجيد الصادق وبشهدائه وتضحياته ومواقفه العروبية والإنسانية، عبر خطاب تنويري مُكثّف موجّه للأجيال الشابة التي وعت على هذه الدنيا ولم تر سوى حراكات واعتصامات وهتافات وخطابات لا تأتي على مواقف هذا الوطن ولا على معاركه وشهدائه بشيء.
أمّا قاعدة ذلك وأساسه كلّه، فهو وجود أحزاب تحمل سمة التعددية وتتصارع بالمعنى الديمقراطي على ثقة الناس. والأمثلة العالمية في هذا السياق كثيرة ومتنوّعة، وواضح أن بنية المجتمع الوطني الأردني تشكّل أرضية بكر لنمو هذه التجربة السليمة، وفق معطيات الثقافة وقبول الآخر التي يتسم بها النموذج الديمغرافي الأردني وبما يتسق ونموذج الملكية الدستورية كما جاء في الأوراق النقاشية.
بالأمس، تنادت أحزاب الوطن لتشكيل لجنة للإصلاح السياسي! هذا جميل ووطني وذو أولوية. ماالجديد في هذا السياق إذا، أي كيف تستطيع هذه الاحزاب أن توصل رسالتها المفترضة، ماذا عن علاقتها بالشارع وبالناس، هل استطاعت إقناع مراكز القرار بأهمية العمل الحزبي في مسيرة ديمقراطية منشودة...؟
على هذه الأسئلة وغيرها أن تجد إجابات قبل التفكير بلجان إصلاح لأسئلة تتعلق بالمدخل الى عمق الحياة السياسية الذي ما زال صعب الدخول رغم أبوابه المشرعة الواضحة في أوراق جلالة الملك النقاشية ! قبل هذا وبعده، فإن شرطين أساسيين لا بد من إنفاذهما قبل أن يمكننا القول بأن لدينا أحزاب وطنية حقيقية.
أول هذين الشرطين هو تعميق فكرة العضوية الحزبية التي سبق القول أنها ما تزال تشكّل عائقا كبيرا أمام ترسيخها، بموازاة تقديم برامج تحمل حلولا مقنعة للناس وتتماهى مع الوضع الجيوسياسي للدولة الأردنية.
أما ثاني هذه الشروط فهو قانون انتخاب قادر على الدفع بمرشحي الأحزاب وبرامجهم لدخول البرلمان وتشكيل الحكومات البرلمانية وحكومات الظل وفق رؤية الأوراق النقاشية.
غير ذلك، سنبقى في حلقة مفرغة وربما مفضية الى الفوضى التي لا يريدها أحد.