قيل أنّ هناك في مكانٍ ما، و لظرفٍ ما، يعيش مجموعة من العميان ولدوا عميانًا لآباءٍ عميان و كذلك أجدادهم. و قيل أنّ جدود جدودهم أصيبوا بهذا العمى لعنةً من السّماء جزاء انحرافهم عن تعاليمها، فحُرموا من البصر حاسةً و معنىً فليسَ للعيون أو البصر مكان في لغتهم أو عالمهم، فلا البيوت لها أيّ ترتيبٍ عمراني أو حتّى شبابيك، و لا الزّمان عندهم ليلٌ و نهار بل دافئ و بارد.
خلف و زعل شابّان من هؤلاء العميان، و ككل العميان يقفون جميعًا لمّا يكون الزّمان باردًا ينتظرون غودو، و هناك كان خلف يفكّر في نوع الواسطة التي ستحمله إلى عملٍ مرموق و يحدّث زعل عن كفر المرأة إذا وضعت العطر، أمّا زعل فيحدّث خلف عن فساد حكماء العميان و السّرقات التي تحدث هنا و هناك، و يفكّر في سرّه بنتيجة مباراة ما لرياضةٍ ما اخترعها العميان، يردّ عليه زعل بمدى لذّة صحن المنسف البارحة، فيستجيب له خلف بوصف ملمس بنطاله الجديد.
خلف و زعل يتحدثان بأصواتٍ مرتفعة بينهما قدم أو أكثر بقليل و كلاهما يُعطي الآخر ظهره، و يرفع صوته لان صوت قرينه يبدو بعيدًا و مثلهما بقيّة العميان، تكثر بينهم الحوارات مرتفعة الصّوت و غير المترابطة، و كلّهم ينتظرون غودو.
و لا أحد يعرف من هو غودو تحديدًا و لا إذا كان قد واعدهم هنا تحديدًا، و لكنّهم كما كانوا مذ ولدوا ينتظرون غودو.
غودو الذي سيوظّف الجميع و يستجيب لشكوى زعل من الفساد، غودو الذي سيمنع العطر و يعيد للرياضة رونقها المتخيّل، و يعيد للمنسف اعتباره و للبناطيل أيضاً، غودو سيفعل كل شيء لكل أحد، غودو الذي لا يتحدّث عنه أحد و ينتظره الجميع.
و قيل أيضًا أنّ حدثًا اعتياديًا جدًا قد حصل، فمن المتوقع أن تضل الطّريق و أنت تتنزه في مكان ما، و أن يحملك الضياع من مكان ما لمكان ما، فيصل أحدهم إلى بلد العميان فيستغرب حالهم ويسألهم عن أمرهم، و أن يحاول مساعدتهم فأيّ إنسان سيساعد أيّة عاجز.
ينصح الغريب خلف أن يجدّ في درسه و يتقن المهارات اللازمة للعمل، فيتهمه خلف بالتّخطيط لضرب مؤسسة العشيرة العريقة التي على أعمدتها بُنيت بلد العميان. فيذهب الغريب إلى زعل يسأله : لماذا يسرق الحكماء؟! و لماذا هم دون غيرهم تختارونهم حكماء؟! فيرتاب به زعل الجنون، مشككًا أن ذاك العضو الغريب في وجه الغريب الذي يسمّيه العينين هما سبب مرضه و شطحاته التي يسمّيها بصرًا.
يجتمع العميان بالغريب محيطين و متهمين إياه بالجنون و يحكمون عليه بالكفر بغودو، و أنّه يحاول زعزعة أمنهم واستقرارهم الناتج بإيمانهم بغودو و وعوده بإصلاح كل شيء وحده حال وصوله.
و عقوبة الكفر بغودو هي الموت يا سادة.
تراجع الغريب عن نصائحه و عينيه وبصره وأعلن توبته و أنّه مثلهم سينتظر غودو في كل زمن بارد
و ككل يوم انتظر خلف و زعل و غودو عودة غودو، الذي كان ينتظر غودو وهو يتفحّص حذاءه و يسبّ سوء الحال و غدر الزّمان، و يحدّث العميان عن العبث في عدم انتظار غودو.
و ختام الحكاية كما قيل يا سادة أنّ وسط عبث العميان كل غودو سيأتي سيقف معهم عابثًا ينتظر غودو.