أرى واقعي أصبح مغايرًا كأنما أراه للمرة الأولى، واقعٌ يخالف رغباتي وتطلعاتي بل ومقاييسي المعتادة في الحياة، واقعًا أرفضه تماماً، تغلبني المشاعر السلبية التي تحبسني عن أي مشاعر أخرى قد تساعدني في مواجهة حزني، يقتحمني الإحباط أولًا فأرى أن كل ما أقوم به غير ذي نَفع، فلا طائل من محاولاتي ولا جدوى من ادعائي القوة...
شعورٌ يأخذني إلى اليأس كمرحلة متقدمة بعد الإحباط، اليأس من أي خطوة لتغيير الواقع الذي أرفضه من قبل، اليأس الذي أقعدني عن محاولة الخروج من المتاهة مرات ومرات، اليأس الذي يأكل الأمل كما تأكل القطة أولادها.
حاولتُ الخروج من دائرة الحزن المغلقة وحاولتُ التعامل معها بتجرد وحياديّة، حاولتُ أن أتقبل تلك الدائرة بما لها وما عليها، لكن كَثرَةَ المقاومة ضد تيار عالٍ أصابتني بالإجهاد رغم أنني كنتُ قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، ربما لأن المقاومة لم تكن صحيحة الأسلوب والطريقة بما يكفي!
ربما الاعتراف بالهزيمة في معركة ما، قد يكون أول خطوة نحو الانتصار في الحرب، ليس في ادّعاء القوة دائمًا قوة، والتشبث بالصمود الأسطوري في مواجهة الصعاب ليس سلاحًا كافيًا كي تصمد حقًا، يقول أحدهم: لقد تعلمتُ أن الاستسلام للحزن أحيانًا أشجع من مقاومته، بعض الأحزان لم تأتِ لتقاتلنا، بل لتعتصم حول جراحنا أمام الأقدار، فربما خطوة للوراء تساعدنا على المُضِي ألف خطوة للأمام، ربما.
لا أدري لِمَ الحديث عن الحزن يغالبني في الآونة الأخيرة.... ربما لأنني غريق في بحره منذ أعوام! لا أرى حتى قشة أتعلق بها، ربما... أو ربما لأن الحزن أصبح سمةً أساسيةً لدى الجميع، لست وحدي، ربما، رغم ذلك تعلمتُ أن الحزن ليس بالضرورة يحمل كل هذا السوء الذي نظن، إنه يجعل الإنسان أكثر عقلانيةً، تعلمتُ أنه ما هو إلا مدةٌ ثم تنقضي طال الوقت أم قصُر وكل المصائب مهما تعاظمت يخفت ضجيجها مع مرور الوقت! وقد يُنبتُ الله من قاع الحزن فرحا نسعدُ بِه ولو بعد حين!
ربما يكون جهلُنا بماهيّة الحزن هو الذي أفقدنا صلابة المقاومة... أو ربما لم أجد منذ البداية لافتة في بداية سفري في الحياة ترشدني أي الطرق أسهل، أي الطرق أيسر، أي الطرق صحيح أصلًا... لا أحد منا يبحث عن الأسى، إلا أنه تجربة مهمة في نمو شخصياتنا وشحنها بالطاقة الإيجابية أحياناً! وهي ما يجعلنا بشراً، ولا يمكن أن تتوفر لنا هذه التجربة إلا في ظروف صعبة، فيها من الملل ما يحفزك للبحث والقصّي، ومن الحزن ما يجعلك أكثر عقلانيةً ومن الإيجابية ما يُعَلّمُك فن التعامل مع الحزن.