احدث الاستاذ الاعلامي الكبير حمدي قنديل ، صاحب برنامج "قلم رصاص" فأجده في لندن ، بعد ان غادر دبي بعد توقف برنامجه الشهير ، الذي تفرد به في الاعلام العربي ، واعرف منه ، ان برنامجه سيعود اعتبارا من يوم غد الخميس ، على قناة "الليبية" في الثامنة مساء.
لا يمكن خنق الاعلامي ، ولا كسر قلمه ، واذا كان قنديل بلهجته المصرية المحببة الى قلوبنا ، قد قال عبر برنامجه ما لا يقوله ملايين العرب ، الا في غرف نومهم ، فقد دفع ثمن هذه المصارحات والجرأة ، وكان اخرها ، قوله الأمة تحولت الى "امة مهند" بوحي من كثيرين ، اشارة الى تعلق العرب ببطل المسلسل التركي ، بدلا من الابطال التقليديين ، الذين عرفناهم ، وقلم حمدي قنديل ، وان كان من رصاص ، الا انه لامبراة له ، سوى مبراة صاحب القلم ، هذا ان كان قلمه يقبل البري اساسا.
قلة هي القناديل في الاعلام العربي ، التي تضيء للناس ، حياتهم ، وبقية الاعلام العربي ، مشغول في محو ذاكرة الناس بـ"الاستيكة" كما يقول اخواننا المصريون ، وباشغالهم في توافه الامور ، والرقص والفرفشة والمسابقات ، او ببرامج دينية محنطة ، تحدثك عن فضيلة الدخول الى المنزل بالقدم اليمنى ، بدلا من القضايا الكبرى ، التي انهكت وجودنا من الاحتلالات ، الى الجهل وقلة التعليم ، والفقر والاستبداد ، وما بينهما من الاف العناوين الفرعية ، التي يراد لها ، ان تمحى ، وان نستبدلها بتطلعات تزيدنا ، تخلفا ، فوق الذي فيه غالبية شعوب المنطقة ، من جوع وقهر وعبثية.
مسبقا ، لن ينخفض سقف البرنامج ، لسببين ، اولهما ان الاستاذ حمدي قنديل ما زال كما هو ، ولن يتذاكى علينا ، ببرنامج مخفف ، على طريقة تخفيف السكر في كاس الشاي ، وثانيهما ، ان ارث البرنامج حاضر بكل قوة ، في ذاكرة الناس ، الذين يرون فيه ، تعبيرا عن وجدانهم القومي ، وعن الترابطات الذكية في الطروحات والعناوين والتقاط المفارقات في الصحف ، وعكسها على واقع العرب ، في غير دولة ومكان ، وتوقيت ، ولا بد ان "الخلطة السرية" للبرنامج هي سر نجاحه ، بالاضافة الى كاريزما الاستاذ قنديل وقدرته على التسلل الى روحك ، وكأنه يحدثك شخصيا ، في بيتك ، وبين اولادك.
تتناسل القنوات العربية ، مثل الفطر الشيطاني ، ودورها مكشوف وواضح ، يتخلص بسرقة الضمير الفردي والجمعي للعرب ، واعادة انتاجه بشكل يكون مطابقا للمواصفات الامريكية المطلوبة في العالم الجديد ، ولو عرف كل واحد فينا حجم الاموال الهائلة التي يتم انفاقها على هكذا فضائيات ، وحجم مداخيلها المالية القليلة ، لعرف ان العملية من اولها الى اخرها ، عملية ممولة ومدفوعة الثمن لغسيل دماغ العرب ، وتفريغه من اي شحنة وطنية ، وعلى هذا الاساس ، تأتي اهمية الاقلام المؤثرة والبرامج ذات الاثر العالي ، سياسيا واجتماعيا ، بحيث تبدو منارات ، وسط هذه الحرب المعلنة علينا في بيوتنا ، دون ان يقاومها كثيرون.
نبارك ، لحمدي قنديل عودته ، ونرى في قناة "الليبية" التي استفردت بعودته عبرها ، ضربة مهنية ، تستحق الحسد عليها ، وننتظر جرعات حمدي قنديل المضادة لكل هذه السموم ، التي يجري حقن وريد الناس بها ، صباح مساء.
فرق كبير بين قلم من رصاص ، وقلم يطلق الرصاص.. أليس كذلك؟
m.tair@addustour.com.jo