المنصب .. الضمير .. الأخلاق وإشكالية العلاقة
قمر النابلسي
11-03-2018 10:36 AM
هل فعلاً المكانة والمنصب تغير شخصية الإنسان وأخلاقه؟؟ أم أنها تظهر حقيقته فقط؟ الأكيد أن ذلك الشخص الذي لا يملك ثروة ، سلطة أو منصباً ليطغى على الناس سيكون مسايراً ويبدو مسالماً، ينتقد الفساد و إساءة استغلال السلطة، ولكن -والعياذ بالله- إذا تولى نفس الشخص السلطة تحول الى ذات النموذج الذي كان ينتقده بالأمس، فيتخلى عن مثاليته وأخلاقه التي لم تكن نابعة من قناعات قيمية واعية ومبادئ جوهرية، وإنما تماشياً مع حال كان قائماً وفرصة لم تتح بعد، فعندها يعود إلى طينته الأولى وأصله الأول .فهؤلاء المولعون بالازدواجية هم الأفضل والأنقى لا يماثلهم أحد في الوطنية والانتماء، بل هم أشباه الملائكة حتى يجلسوا على الكرسي، فيتبعون ذات النمط السلبي في التعامل مع المسؤولية من طغيان وفساد واستغلال للسلطة، حتى وإن كانوا من صغار المسؤولين ، فيتعاملون بعنجهية وتعالٍ مع الناس وبلامبالاة بأصول الاحترام والذوق والأخلاق .
ولعل من أهم أسباب ذلك: انعدام الكفاءة وضعف في البنية النفسية القيمية لذلك الشخص مما يعزز الأنا ويضخمها لتتحول بيئة العمل الى ساحة صراعات على حدود السلطة والمكاسب وهيبة أصحاب الأنا المتضخمة على حساب مصلحة العمل والإنتاجية، هذا بالإضافة الى عيوب البنية النفسية كالشعور بالنقص والدونية التي تؤدي إلى اضطهاد أصحاب المواهب والكفاءات خاصة في حال تقديم اقتراحات أو ملاحظات لتحسين الانتاجية أو لتطوير بيئة العمل ، مما يسبب حساسية مفرطة لذلك المسؤول نتيجة ذلك الشعور بالنقص بالإضافة الى الشعور بالتهديد والخطر من وجود هؤلاء الأشخاص الذين وحسب قناعاته سيُظهرون مدى ضعفه وقلة كفاءته، مما يضطر هؤلاء الموظفون من أصحاب الكفاءة الى الانتقال الى مواقع أخرى، أو يتم تجميدهم وعدم الاستفادة من علمهم وخبراتهم، وللأسف أيضاً على حساب مصلحة العمل، و من أسباب تغول هكذا مسؤولين عدم وجود ثقافة عمل واضحة لتغير ثقافة اجتماعية سائدة تقوم على الفردية والتفاخر بالمظاهر والنظر إلى المنصب والصلاحيات على أنها مزايا وفرصة لتحقيق أغراض ومصالح شخصية وينسى أو يتناسى ما يترتب عليه من مسؤوليات ، و الطامة الكبرى في عدم وجود أنظمة رقابية فاعلة للحد من الفساد وإساءة استغلال السلطة مما ترك الحبل على الغارب وترك الساحة خالية لمثل هؤلاء مما أدى إلى فساد إداري ومالي وتراجع في عمل المؤسسات والوزارات والهيئات مما لا ينكره عاقل.
أثبتت الدراسات والتجارب أن أغلب الناس لديهم قابلية للطغيان والفساد واستغلال السلطة (إلا من رحم ربي) وإن القلة النادرة فقط من لديهم مواقف ثابتة ومبادئ لا يتنازلون عنها ، وبما أن هذا هو الحال لا بد من ايجاد الحلول الناجعة والاتعاظ بما يحدث حولنا قبل فوات الأوان فالفساد من أهم اسباب دمار الدول والحضارات وزوالها، وعدم دفن رؤوسنا بالرمال، وإذا اتفقنا على أن الرادع الديني والأخلاقي والضمير يبقى في أحسن أحواله ليس أكثر من موانع فردية ذاتية غير واضحة وغير ثابتة، فلا أحد ينكر أن القانون الرادع له الكلمة الفصل في تحجيم كل صور الفساد وأشكاله، فكل المؤسسات المدنية الحديثة الكبيرة والصغيرة تعول وبشكل واضح وحاسم على القوانين والأنظمة الرادعة ، فلا بد من وجود إدارات تبحث رصداً ومحاسبةً في كل مؤسسة و وزارة و هيئة ، وأتساءل هنا عن دور جهات مثل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وديوان المحاسبة وكيف من الممكن ايجاد آليات جديدة وأساليب مبتكرة وحديثة للتسهيل على الموظفين والمواطنين بالتبليغ عن أي تجاوزات إدارية أو مالية ، مع توفير حماية لكل شخص يدلي بمعلومات ومن الممكن تخصيص مكافئة مالية لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد، ولماذا لا تكون في كل مؤسسة ووزارة لجنة لرصد الواقع الإداري وسلوك العاملين للحد من آفة الفساد، وتكون لهذه اللجنة الصلاحيات بعمل تحقيقات وجمع معلومات من دون تدخل الإدارة في أي من تلك المؤسسات و الوزارات وتحت طائلة المسؤولية ، ومن ثم ترفع نتائج تحقيقها إلى الهيئة المعنية في حال ثبت وجود أي شكل من أشكال الفساد أو استغلال السلطة لاتخاذ الإجراءات المناسبة، وأتمنى أن يكون هناك دور إعلامي توعوي قوي لهذه الجهات الرقابية والتي تعنى بالنزاهة ومكافحة الفساد لتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي تجاوزات وأي شبهة لتطويقها قبل تفاقمها، و لترسيخ أسس النزاهة والشفافية والعدل والمساواة وتطوير بيئة وطنية رافضة للفساد ومنع الفساد قبل وقوعه وإنفاذ القانون .
حماك الله يا وطني