الفوارق غير المبررة في الامتيازات بين زملاء المهنة دون معيار واضح تثير الفتنة في مكان العمل قبل أن تثير الاحباط بين الزملاء وعدم الرغبة في العمل..
ولأن الأمر في مؤسساتنا كما نعلم، فإن ضبابية تستشري في تحديد الرواتب وصرف المكافآت والعلاوات والتعيينات والابتعاثات والمياومات وغيرها، ما يفرض على البعض المجتهد البقاء في الظل والرضا بالقليل، وآخرون بإنجازهم المتواضع يتموضعون في دوائر الضوء ويصلون ببساط الريح إلى كل ما سبق بينما جهدهم لا يصل نصف جهد زملائهم ما يبعث على الاحباط والقهر والشعور بالظلم وغياب الابتكار.
للأسف هذه كارثة تحدث كل يوم بقصد او بدون قصد وفي كل مكان حتى تكاد تصدق أن الأساس بدل الجهد والخبرة والمهنية هو امتلاكك أو عدم امتلاكك لأذرع أخطبوطية كامتهان العلاقات العامة ومد أواصر التواصل والمجاملة والقدرة على استجداء العواطف بالبكائيات والبراعة في ضرب الأسافين.. وذلك ما أعمى البعض المسؤول عن التأمل في القيمة الفعلية والمعنوية التي يحملها أو يضيفها المتوسلون للجماهيرية والمسترزقون والاستعراضيون وهي بالفعل قيمة خالية من اية قيمة سوى تضخيم الانا والتكسّب دون وجه حق والتسلق على حقوق العباد، بالنتيجة ما يرفع من شأن الأداء الهش ليساويه بالقامات العالية، ثم نتساءل لماذا يغيب الإبداع.
أعرف كفاءات كثيرة جدا،لكنها مغيبة عن الصورة ومغيبة عن الإمتيازات كونها غير معنية بالترويج للذات وغير بارعة في صناعة العبارات المتغرغرة في الفصاحة أو أنها تحمل في النفس تواضعا نابعا من تقدير النفس، أو تؤدي شكلا مفرطاً من الاحترام والتقدير للآخر غير ملتفت للماديّات، على اعتبار أن الزمن والبشر كفيلان بغربلة القمح عن الزوان، لكن يخيل إليك أن ذلك لا يحدث.
بالتأكيد ليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل من طال العنب استحق حلاوته.. إنها لحظة صادف أن أضاء فيها (فلاش) الكاميرات وعرف البعض متى وأين وكيف يستغلون الوهج ويشحذون الصيت ويغزلون الكلمات ويستثيرون العواطف ويستثمرون البكائيات.
في منطق الأشياء اللامنطقي الفهلوة تنتصر.. قزم عنده واسطة يصير عملاقا ومهرج فكري عنده علاقات عامة يصير نجما ثقافيا.. وأي كلام غير هذا خرافة.