كان هذا السؤال مطروحا من قبل بعض الجهات الامريكية وموجه الى العرب والمسلمين ، ولكنني أعيد طرح السؤال بصورة معاكسة وهو لماذا يكره كثير من الساسة الأمريكيون ومراكز الدراسات العرب والمسلمين هذا تصريح لمستشار الأمن القومي الامريكي ويقول فيه ( ان الاسلام سرطان يعيش في جسم مليار ونصف مسلم ، يجب استئصاله ومحاربته كما حاربنا النازية والفاشية والشيوعية) لم يتحدث عن الغلو أو التطرّف أو الاٍرهاب ، إنما تحدث عن الاسلام كدين وفي هذا السياق نقول ان مئات الملايين تخصص لمنظمات بحثيه ومراكز دراسات ومفكرين والهدف كيف يمكن محاربة الاسلام وحصاره وتشويهه.
سألقى الضوء في هذا المقال على واحده من اهم هذه المنظمات وهي منظمة ( راند) والتي تعود نشأتها الى عام ١٩٤٦ والتي كانت في الأصل تعنى بالقضايا العسكرية ولكنها تطورت لتصبح احد اهم المؤسسات الفكرية المؤثرة على صناعة القرار الامريكي في منطقة الشرق الأوسط.
أعدت هذه المنظمة دراسة عن الاسلام تحت عنوان ( الخطر الاسلامي) وذلك قبل احداث سبتمبر تبلغ ميزانيتها السنوية قرابة (١٥٠) مليون دولار ، ويعمل فيها ما يقارب (١٦٠٠) باحث .
أصدرت المنظمة في عام ٢٠٠٤ كتابا بعنوان ( العالم الاسلامي بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ) قسمت فيه العالم الاسلامي الى ثلاثة أقسام ( السلفية- المعتدلة- الراديكالية) ثم نشرت عام ٢٠٠٥ كتاب ( الاسلام المدني الديمقراطي) اعتبرت فيه الاسلام حائطا امام محاولات التغير وقسم فيه المسلمون الى أربعة أقسام ( أصوليون، تقليديون، حداثيون ، علمانيون) وكيفية التعامل معهم ، فالأصوليون يجب استئصالهم، والتقليديون يجب دعمهم ليشككوا بمبادئ الأصوليين ، اما الحداثيون والعلمانيون فيجب دعمهم ، وفِي هذا الإطار يجب تشجيع الاتجاهات الصوفية والشيعية وتشجيع الفتاوى الحنفية مقابل الوهابية ( الحنبلية) ودعم التقليدين ضد الأصوليين، ودحض نظريتهم عن الاسلام وإظهار اتصالات وعلاقات مشبوهة لهم، ودفع الصحفيين للبحث عن كل ما من شأنه الحط من سمعتهم.
اما التقرير الاخطر الذى قدمته ( راند) فكان بعنوان ( شبكات مسلمة معتدلة) ويقع في ٢١٧ صفحة ، فالمسلم المعتدل ليس كما نفهمه بالسماحة وقبول الاخر والوسطية وانما هو من ( يرفض الشريعة ويؤمن بالعلمانية) ، ثم صدرت عدة تقارير عن تركيا وشرق افريقيا.
الخطورة في تقاريرها انها تشكل المرجع الأساسي في توجيه صناع القرار في وزارة الدفاع الامريكية، وقد شكلت تقاريرها المرجع الأساسي لبول بريمر حاكم العراق إبان الاحتلال.
لقد وضعت راند المسلمين في جهة والغرب في جهة اخرى، وتوصي تقاريرها بأنه يجب تنظيم برامج في القطاعات الآتية ( التعليم ، الديمقراطي، الاعلام) وقد أنفق على قناة الحرة، وراديو سوا مبلغ ( ٦٧١) مليون دولار و ( ٥٠ ) مليون دولار لمواجهة الأزمات.
و عند الحديث عن المعتدلين تتحدث التقارير انهم ثلاثة انواع العلماني الليبرالي الذي لا يُؤْمِن بدين، أعداء المشايخ، الاسلاميون الذين لا يَرَوْن تعارض بين الاسلام والديموقراطية، وهم أيضا الذين يزورون الأضرحة ، والمتصوفون ، والذين لا يجتهدون ،ويؤكد التقرير ان الصراع صراع أفكار بالإضافة للصراع السياسي والامني ، وينصح التقرير بعدم التعاون مع كل فئات الاسلام بما فيها التي تسمى نفسها معتدلة، والتركيز على بناء شبكة التيار العلماني والليبرالي والعصراني ، ويوصى التقرير بان تكون الدعوة للاعتدال بعيده عن المساجد وذلك من خلال برامج التلفزيون والشخصيات ذات القبول الإعلامي، ويوصى التقرير بالتعاون مع المعتدلين حسب المفهوم الامريكي من المفكرين الأكاديميين التحرريين والعلمانيين ، الدعاة الجدد المعتدلين والحركات النسائية، والتركيز على الأطراف قبل الاشتباك مع المركز ، وذلك بتمرير الأفكار اعلاميا من الأطراف الى المركز.
وعليه نعاود طرح السؤال مرة اخرى لماذا يكرهوننا ، هل فقط لمجرد كوننا مسلمين ، حتى ولو قدمنا كل صور الاعتدال المطلوب.