لعنة المياه تطارد الحكومات
حسن الشوبكي
24-03-2009 06:10 PM
ما ان تخبو في الذاكرة ملامح ازمة تلوث مياه حتى تظهر اخرى ، وتحتفظ الذاكرة الجمعية بنحو ثلاث ازمات خلال عشر سنوات ، الاولى اطاحت بحكومة عبدالسلام المجالي والثانية اتت على اثنين من الوزراء في حكومة معروف البخيت اما الثالثة فلا نعلم بعد تداعياتها ونذرها في سياق المساءلة ومحاسبة المسؤول عن حقيبة المياه على هزل ادائه في حكومة الذهبي .
مع اطلالة شهر تموز من العام 1998 كان الشعب والحكومة على موعد مع مياه بلون اصفر ورائحة كريهة وطعم سيء ، وفوق هذا وجود ملوثات زائدة عن الحد المسموح به في المصادر المغذية لمحطة زي لا سيما من طبريا ودجانيا ، ورغم كثرة التقارير المحلية والخارجية الا ان وزير المياه انذاك اقدم على شرب الماء بكل سطحية امام ملايين الاردنيين الذين كلنوا يتابعون شاشة التلفزيون الاردني لمعرفة حقيقة ما يشربون .
وفي شهر تموز لكن من العام 2007 ، تلوثت مياه بلدة منشية بني حسن في المفرق وادى ذلك التلوث الى اصابة اكثر من الف من سكان تلك المنطقة بامراض عديدة وتراوحت اعراضها بين حالات الاسهال الشديدة وارتفاع درجات الحرارة لدى المصابين ، وبدا ان الازمة انتهت باستقالة وزيري المياه والصحة.
اما ازمة تلوث مياه نهر اليرموك التي نعايش تفاصيلها حاليا ، فلولا انتباه سكان الغور وتحديدا مزارعي منطقة الشونة الشمالية ، لاستمر التلوث الى منتصف الصيف المقبل حتى ترتفع درجات الحرارة وتزيد كميات الطحالب في المياه ، ومرد ذلك الى ان اجهزة الانذارالمبكر معطلة ولا تخضع لصيانة دورية ويتشارك في المسؤولية عن بؤس الحال بشأنها موظفو المراقبة والمديريات التي تتلقى نتائج محطات المياه واهم منهما وزير المياه وامين عام الوزارة .
وفي الوقت الذي تغذي فيه مياه نهر اليرموك وابار المخيبة وحصة المملكة من بحيرة طبريا قناة الملك عبدالله ، فان تلك المصادر تشكل نحو ثلثي المياه التي تغذي العاصمة ، والغريب في الامر ان الحكومة – ممثلة بوزارة المياه – مطمئنة وتدعو الى الطمأنينة رغم ان العلاقة مع اسرائيل في المستوى المائي تدعو الطرف الاردني الى عدم الطمأنينة والاستنفار دوما ، خاصة وان اسرائيل اعتادت على تنظيف برك تربية الاسماك والتماسيح سنويا وتستغل فترات الفيضان لتنفيذ عملية تنظيف البرك غير ان عدم وجود فيضان لهذا العام جعل الاسرائيليين يقومون بتحويل كميات كبيرة من تلك المياه الملوثة على نهر اليرموك ، وهو ما انتهى الى الاضرار بالمصلحة الاردنية .
والكل يعلم ان الحصة الاردنية من المياه مع اسرائيل جاءت بعد معاهدة وادي عربة ، ويعلمون ايضا ان اسرائيل تتلكأ في تقديم الحقوق الاردنية وتقدم المياه على نحو ملوث في بعض الاحيان – كما تشير التجربة العملية – ويعلم المسؤولون في المياه ان اسرائيل تتخلص سنويا من التلوث الناجم عن تربية التماسيح والاسماك ، ووسط كل ذلك ، لا تزال وزارة المياه تحتفظ بهذا القدر الكبير من الطمأنينة ، لا بل وتزيد عليه بتعطل اجهزة الانذار المبكر ، وهو ما يدلل على تضاؤل قيمة الانسان بنظر المسؤولين عن ملف المياه ، والا فأن امرا كهذا لا يجب التعامل معه بكل هذه السطحية والتهاون .
لا تنمية اقتصادية بلا ماء ، ولا زيادة في الاستثمار ما لم تتوفر ادارة حصيفة للملف المائي في البلاد ، ولعل القطاع المائي من اكثر القطاعات المتضررة من ضعف ادارة الازمات على مستوى الدولة فلقد تلقى في السنوات الماضية ضربة مزدوجة ، الاولى من حكومات مطمئنة ولا تأبه للتلوث ايا كان شكله او مصدره او نتيجته، والثانية من قطاع خاص محلي لم يتصد لعشرات المشاريع المائية التي يجب ان يساهم فيها لا ان يتركها للحكومات والشركات الاجنبية ، في الوقت الذي تتقدم فيه الحكومة الاسرائيلية ومعها القطاع الخاص الاسرائيلي في تكنولوجيا المياه وتحقق اعلى المعدلات العالمية عبر اعادة استعمال مياهها وبمعدل يفوق 70 % من تلك المياه .
لعنة المياه ستستمر ما لم يوضع حد لهذا الهزل بصحة وحياة الناس ، ولا اعلم حقيقة – والكل يبحث عن افق للحل - ان كان وزير المياه قد عاد من اسطنبول ام انه لم يعد !