لا أحد يريد أن يسمع من أحد!
سليمان الطعاني
08-03-2018 03:36 PM
قيل: إذا لم تستطع أن تكون متحدّثاً لبقاً فحاول أن تكون منصِّتاً جيداً، هل حدث معك عزيزي القارئ انك تكلمت ذات مرة بين يدي أحدهم عن حادثة وقعت لك .. وقاطعك في أولها و قال: وأنا أيضاً وقع لي شيء مشابه .. فتقول: له اصبر حتى أكمل ... فيسكت قليلاً. فإذا انسجمت في حديثك قاطعك قائلاً: صحيح. صحيح. نفس القصة التي وقعت لي وهو أنني ذات مرة ذهبت ... فتقول له: يا أخي انتظر. فيسكت. ثم لا يصبر فيقاطعك ...
وهل حدث معك مرة وأنت تتحدث مع أحدهم وهو يتلفت يميناً ويساراً ... وقد يخرج هاتفه
من جيبه ويكتب رسالة أو يقرأ شيئاً من الرسائل بينما انت تحدثه...
وهل حدث معك أيضاً وانت تتحدث مع أحدهم قد ركز عينيه برفق و اهتمام في حديثك وينظر إليك .. ويشعرك بمتابعته لك .. فتارة يهز رأسه موافقاً .. وتارة يتبسم .. وتارة يضمّ شفتيه متعجباً .. وربما ردد: عجيب .. سبحان الله .. ما شاء الله... شيء ممتع ... شيء جميل.... ...
اعتقد بانك ستعجب شديد الاعجاب بالنوع الثالث، الذي يحسن الاصغاء لأنه المستفيد الأول ولأنه يكسب بحسن إنصاته مودة واحترام الطرف الآخر الذي أفسح له المجال ليفضفض عما يجول في خاطره. كما أن المنصت نفسه يستفيد من احتمالية أن تصحح له أخطاءه أو أن تؤكد له معلومة أو ينبه إلى خطر داهم قد يضره، أضف إلى ذلك أن للإنصات هيبة تعطيك قوة أمام الطرف الآخر وأمام الجمهور، وبه تكسب مودة الأصدقاء وولائهم، وتمتص غضب المناكفين وتسيطر على الموقف.
يكفي حين ننصت او نصمت ان نعرف اننا نقوم بالبحث في قاموس مفرداتنا اللغوي عن أجمل العبارات التي يمكن تقديمها للطرف الآخر الذي رأينا صدقه وعفويته وحسن حديثه واستقباله وتعامله الحسن...
ولكن من المفارقات الغريبة في حياتنا أننا نتعلم منذ الصغر أن مبادئ التواصل والتفاعل مع الآخرين ما هي الا الكتابة والقراءة والتحدث ولا نتعلم فن الاستماع والانصات الى الاخرين ووجهات نظرهم الا حين نريد أن نرد عليهم الصاع صاعين.
لا نتعلم شيئا عن مهارة الإنصات كوسيلة اتصال! ... إننا نربى أطفالنا منذ الصغر على ثقافة تشجع الكلام في كل شيء حتى السباب والشتائم! ونتجاهل الإنصات والاستماع كوسيلة مهمة للتواصل والتفاعل مع المحيط... والنتيجة كما نرى أن حالة التفاهم فيما بيننا تزداد سوءا وتأزما على مستوى الأسرة بين افرادها ... وعلى مستوى الدولة ومواطنيها... وعلى مستوى المؤسسات العامة والخاصة وعمالها ... لا أحد يريد أن يسمع من أحد! ... الأب يتحدث... الأم تتحدث... الأبناء يتحدثون... الدولة تتحدث...التجمعات تتحدث... المديرون يتحدثون... المزارعون يتحدثون.... عامل المقهى يتحدث ... المراسل يتحدث ... وكل واحد في واد بينما الآخرون في واد آخر! ... ولا أحد من هؤلاء يريد أن ينصت أو يسمع، لأحد وإن أنصت فهو لا يفعل ذلك بهدف الفهم والتعلم من محدثه بل بهدف تجهيز الرد على كلامه. والإيقاع والتشهير به... لا لفهم وجهة النظر الأخرى.
لقد تحولت حياتنا فيما يتعلق بالإنصات الى حلقات مملة من مسلسل الاتجاه المعاكس! سواء في ذلك الذين يتكلمون والذين يقرؤون... فالذين يقرؤون أيضا يفعلون ذلك لتسفيه كتابات الاخرين ونسفها بما تيسر لا لفهمها واستيعابها والاستفادة مما قد تحويه من فائدة.
هذه قصة حقيقية تُرجمت إلى فيلم تتحدث عن شاب أمريكي، تحول من عامل لغسيل الصحون بأحد المطاعم إلى معالج نفسي شهير، والسبب وراء ذلك يعود إلى ميزات يتمتع بها هذا الشاب، وهي (فن الإصغاء)، لقد اكتشف هذا الشاب أن عنده مهارة ذاتية، فوجد أن الكثير من زملائه وأصدقائه تُحلُّ مشاكلهم وتتحسن احوالهم بمجرد طرحها عليه، فكان دوره في كل مرة هو: الإصغاء، ولا شيء سوى الإصغاء، مع استخدام تعابير الوجه وهو يصغي، فلو دمعت عينا الطرف الآخر وهو يسرد قصته، دمعت عيناه، ولو ضحك ضحك هو.... ما أعظمك أيها الشاب! وما أعظم اسلوبك!