يقول الكاتب العبري اليساري ديفيد غروسمان صاحب كتاب «الريح الأصفر» والحائز على جائزة الكيان الصهيوني للآداب هذا العام: «المجتمع الذي يعيش في أزمة يشكل مفردات لغوية خاصة به وبالتدريج تظهر لغة جديدة لا تعكس مفرداتها الواقع بل تعمل على إخفائه»... !
تدل هذه الواقعة على الأهمية الخطيرة التي يحتلها هذا الموضوع، ليس على الصعيد العلمي البحت، بل أيضا على صعيد صناعة وتوجيه الرأي العام، وتسويق وجهات النظر المختلفة خاصة في حقل الإعلام، حيث تفتح منصات ووسائل الإعلام الحديث والتقليدي ذراعيها لتلقي كل ما يُلقى لها من مصطلحات، حتى ولو كانت قنابل موقوتة، أو تشتمل على مقادير وافرة من السموم، على الرغم من أن غرف التحرير في المؤسسات الإعلامية المرموقة تحرص على إصدار قوائم محدثة بشكل دائم لكل المصطلحات التي تستخدمها، خاصة الجديدة منها، وتضيفها بشكل دوري لـ «كتاب الأسلوب» الخاص بها، أو الستايل بوك، إلا أنه من السهل عليها أن تقع في فخ المصطلح الذي ينتجه «الآخر» والمنصوب من صُنّاعه الأذكياء!
يقول الدكتور محسن صالح الباحث المتخصص بالشأن الفلسطيني، أن السنوات الأخيرة الماضية شهدت استخدام مصطلحات بعضها غير دقيق أو «غير بريء»، ويستهدف إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، بما يتوافق مع المسارات السياسية لمشاريع التسوية السلمية، بينما يعيد استخدامها كثيرون دون إدراك لمضامينها. ولعل أهم هذه المصطلحات «إسرائيل» وقد ظلت بعض الأنظمة العربية ووسائل الإعلام التابعة لها ترفض استخدام كلمة «إسرائيل» في التعبير عن الكيان الغاصب الذي نشأ على جزء كبير من أرض فلسطين سنة 1948، وكانت تشير إليه بمصطلحات: العدو، الكيان الصهيوني، الكيان الإسرائيلي، الاحتلال.. أو على الأقل يتم وضع لفظة «إسرائيل» بين علامتي تنصيص للدلالة على عدم الاعتراف. أما الآن فيتم استخدام مصطلح «إسرائيل»، دون حرج ودون علامات تنصيص!
أما الإعلام العبري فيندر أن يستخدم هذا المصطلح دون أن يسبقه بكلمة «دولة» حرصا على ترسيخ شرعية هذا الكيان، ليس في الوجدان اليهودي فحسب، بل في الفضاء الدولي كله، حيث يستخدم الاصطلاح بالعبرية بقوله «مدينات يسرائيل» وتترجم عادة «دولة إسرائيل» خاصة في الترجمات التي ينقلها الإعلام العربي عن الصحافة العبرية.
الإعلام العربي اليوم غير موحد في استخدام المصطلح الدال على «إسرائيل» كدولة، وإن كانت موجة التطبيع الجديدة بدأت تعتمد لفظ «إسرائيل» من دون هلالين، ، وتاريخيا وحتى وقت قريب، كان المصطلح الشائع هو «الكيان الصهيوني» للدلالة على إسرائيل، ويقال إن أول من استعمل هذا الاصطلاح إمام مسجد النقوى في الجزائر عام 1917 أثناء خطبة الجمعة، بمناسبة وعد بلفور، ثم انتشر استخدامه فيما بعد في أجهزة الإعلام العربية بعد حرب عام 1948، أو «حرب الاستقلال» كما يسميها الإعلام العبري، ، ويذكر هنا أن مصطلح «كيان وطني» تعني في قاموس اللغة: أرض الوطن بحدودها المعروفة ومقوِّمات الوطن السِّياسيّة والاقتصاديّة والثَّقافيّة كافة، وهو معنى يتناقض مع الهدف من وصف إسرائيل بالكيان، مع أن بعض الباحثين يعتبر أن الفرق بين الوطن والكيان هو الشرعية، لهذا فإن مصطلح الكيان الصهيوني أو كيان العدو يعني رفضا لشرعية وجوده، باعتباره «تنظيما» أو عصابة محتلة ومغتصبة، والحقيقة أنني أفضل استخدام «كيان العدو الصهيوني» منعا لأي التباس، وتأكيدا لرفض وجود هذا الكيان، وإزالة أي شرعية محتملة عنه، حتى ولو في الوجدان الجمعي العربي على الأقل!
الدستور