لعله من الطبيعي جدا بدأ الحديث عن مواصفات المرحلة القادمة والتي على إثرها ستتحدد ألوان طيف الحكومة الجديدة، ومن هي الشخصية التي يجب أن تقود هذه الحكومة، باعتبار أن حكومات الاردن ومنذ تأسيس المملكة هي حكومات مرحلية تأتي لهدف وتنتهي بانتهائه أو قبل تحقيقه؟!. 41 حكومة و72 تشكيل جديد، واكبت مراحل سياسية مختلفة متعددة ومتنوعة، حيث تصدر توفيق ابو الهدى عدد مرات تشكيل الحكومة ب(12) مرة بدأت في 9/38 واستمرت على فترات متقطعة حتى شهر 5/1995. يليه سمير الرفاعي الأول وشكل الحكومة 6 مرات بدأت في 10/1954 وانتهت في 4/1963، وكذلك بهجت التلهوني بواقع 6 مرات ابتدأت في 8/1960 وانتهت في 4/1971 ثم جاء كل من وصفي التل بخمس مرات من 1/1962 وانتهت في 11/1971 يشاركه ابراهيم هاشم بخمس مرات ايضا ابتدأت ب 10/1933 وانتهت بـ10 1956، وتكررت فترات التشكيل بين رئس وآخر من 4 مرات إلى مرة واحدة ولفترات قصيرة. حيث كانت الجوانب السياسية هي المعيار الطاغي على تشكيل الحكومات وخاصة ما يتعلق العلاقات العربية العربية والصراع مع إسرائيل، والمد القومي العربي والأنظمة السياسية العالمية والتيارات والأحزاب المنبثقة عنها فكان الملك مضطرا لتشكيل الحكومات كلما كان هناك منحى سياسي جديد أو استحقاق سياسي تطلب موقف أردني واضح وصريح. ولهذا برزت الشخصيات السياسية والثقافية ذات التوجه الحزبي الفكري المميز والواضح ، بغض النظر عن أصله العربي أو انتمائه الأيدلوجي انطلاقا من حرص الملك على خلق حالة توافق بين أبناء الوطن الأردني وفق معايير الانتماء للأمة والوفاء لمبادئ الثورة العربية الكبرى .
تعدد الاولويات الوطنية وفي ظرف لا خيارات متاحة افرز مراحل جديدة ترتكز على التحالفات المتغيرة والارتباطات غير المنصفة التي تحملها الوطن الاردني بدءا بالهجرات القسرية ومرورا بالحصار الاقتصادي الذي فرضته ظروف المنطقة الأمنية إضافة للدخول في تحالفات خاسرة كونها تتطلب تنازلات لا يقبلها عاقل منتمي لأمته ويدرك ابعاد اللعبة الدولية الخبيثة . هذا كله ساهم في خلق نمطا جديدا من التفكير يقوم على أبعاد اقتصادية سطحية ، عززت التفكير الشخصي والمنافع الذاتية وغلبته على المفاهيم والمبادئ الوطنية خاصة مع التغير العام للواقع السياسي العالمي وانعكاسه على الإقليم العربية وتراجع الكثير من المشاريع القومية والدينية ، والتحالفية ، ودخول العقل العربي في حالة استسلام وخضوع لنمطية الخوف وعدم الثقة خاصة بعد أن فشلت كل النماذج السياسية والحزبية والبرلمانية والإعلامية من تشكيل حالة صمود وثبات للمواقف الراسخة بانكفائها على نفسها أ، بالتراجع والانهزام. .
نعم ملامح المرحلة القادمة هو استحقاقات حتمية لما افرزه المخطط الغربي بزرع الفتنة الطائفية وإشعال الصراع والنزاع والحروب بين دول المنطقة بهدف خلق حالة الفوضى والتشكيك الدائم، وبناء تحالفات ذات منافع ومصالح لها ، وسلب الثروات ’ بحجج شراء الاسلحة؟!. المرحلة الجديدة يمكن أن تكون بلا حرب فعلية جراء احلال حالات الهدوء والاستسلام و لكنها ستكون مليئة بالمعاناة ولملمة الجراح والإفاقة من هذه الكارثة بل الكوارث التي لم تبق شيئا ولم تذر .
والاردن بطبيعته جزء من هذا الكيان الشرق أوسطي الذي سيستمر في التعامل مع ا الواقع المر كما هو و..الخ وستبقى الاوضاع بلا تنمية حقيقية تنعكس بشكل واضح على المجتمع الأردني كون التنمية تحتاج الى اوضاع اكثر أمنا على مستوى الدول المجاورة ، لهذا فأن الاوضاع الاقتصادية والتنموية ستبقى على حالها مع تحمل المواطن الأردني اعباء الفقر والمديونية ، وتآكل الدخول وارتفاع الأسعار والضرائب ، حيث ستتسلم الحكومة القادمة الموازنة مقشرة خالية من الدعم والاعفاء مليئة بمصادر الدخل وخاصة من المواطن المنهك الذي سيستمر بالشكوى والأنين متطلعا نحو أمل أو فرج من الحكومة . وبالتالي فالحكومة القادمة يجب أن تتمتع بالثقة التي ستساهم بتخفيف العبء النفسي على الناس بالمصارحة والشفافية والعمل الميداني ، واشعار المواطنين بجهد الحكومة باستثمار الموازنات افضل استغلال وبروح التقشف الحكومي والإجراءات الأكثر تقليص للنفقات ، مع سعيها لفتح شواغر واستثمار تشعر الناس ولو من باب التفاؤل بوجود تحسن ، في حين سيتغير واقع الحال مع النواب لفرض مزيد من الارتياح النفسي لدى المواطن الذي اعياه كثرة النزاع بين السلطتين دون نتائج أو حلول مرضية ؟
المرحلة القادمة مرحلة تخدير وتطمين ووعود ، وهي مرحلة اعادة بناء الثقة بمؤسسات الدولة وبمشاريع اقتصادية حالمة تجدد شغف المواطن الى بصيص أمل . ولا بد أن تتشكل الحكومات من شخصيات بيروقراطية عملية ميدانية جديدة على الساحة تمسح حالة الاشمئزاز التي ترسخت عن الشخصيات المتكررة والمورثة. وبشخصية رئيس ذات معنى وطني محبوب وخبرة رائدة في مجال إدارة الدولة مع نظافة اليد والسريرة ونقاءها وزهدها عن المناصب، وقدرتها على استشراف واقع المملكة في الداخل والخارج ليعيد ترتيب أولوياتنا وفقا الإمكانيات، بحيث يرسخ الواقعية الشاملة التي تعكس حقيقة الوطن وحفظ كرامته وكبريائه.