هل تدرك عزيزي القارئ مدى قوة الصمت كأداة اتصال إيجابية فعالة؟ هل تعرف مدى دقة وعمق الرسائل التي يمكن أن يرسلها الصمت للآخرين إذا ما تم استخدامه بذكاء؟
هل تصدق عزيزي القارئ أن الصمت يمكن أن يكون من أعظم فنون المحادثة والحوار؟ هل تتخيل حجم الطاقة النفسية والذهنية التي تهدرها وأنت تتكلم، وبالمقابل حجم الطاقة التي تحتفظ بها لنفسك… فيما لو أمسكت لسانك؟
هل تعرف في حياتك أشخاصاً سياسيين أو صحفيين أو من أقاربك كنت تحترمهم فإذا تكلم أحدهم، قلت: ليته سكت؟
لكن ثقافتنا العربية لا تعرف الصمت، عرفت الكلام كثيراً حتى ان أحدهم قال: ان العرب ظاهرة صوتية فقط، نحن من أكثر الشعوب لغوا وكلاما.... ومن أكثر الشعوب نثرا وشعرا.
بل وغناء وطربا حتى كلمنا الأحجار والاشجار، وتحدثنا مع السماء والارض، وجعلنا الأرض تتكلم عربي! وخاطبنا الديار وبكينا على الأطلال، الكلام عندنا شهوة، وادعاء العلم والمعرفة غريزة، والثرثرة فطرة لم يخطر ببالنا يوماً أن الصمت ضرورة لنا!
ثرثرنا بما يكفي ولم ندرك حاجتنا للصمت، لا لننام نومة أهل الكهف، بل لنتأمل، ونصل، ونفكر، ونتدبر، وندرك أن للصمت فلسفة جميلة.... انه لغة كاملة، فالحكمة ليست فقط أن تقول الشيء الصحيح في الوقت الصحيح في المكان الصحيح، وإنما أيضاً أن تصمت الصمت الصحيح في الوقت الصحيح في المكان الصحيح.
الصمت حرية خرساء، أقل فوائدها أن تجعل المتربصين بك في حيرة من أمرهم وهو غنيمة قد تجد حاجتك داخلها!
الصمت استرخاء للعقل والجسد وخاصة عندما يرخي الليل سدوله، ويسكن الجسد من عناء الثرثرة طوال النهار، الصمت قرين الليل حيث لم يعد هناك ضجيج ولا كلمات نطوف حولها بل سكينة فقط.
الصمت زاد في حضرة الذكريات تحت عباءته تسكن الاحلام فترتاح النفوس وتلتقي الأرواح في سيمفونية متناغمة واحدة.
ما أجمل ان نختار الليل رسولاً للصمت بثوبه الأسود، نتنفس فيه الصوت ونصغي للسكوت البليغ، وجدتُ أن الصامتين هم من خير أهل الأرض .. هم من يصنعون التغيير ويُضيفون كثيراً في عصر الثرثرة، انهم الفئة النادرة التي تعمل أكثر مما تتكلم يقول أحد الفلاسفة: "ثُلث ما يتعلمه حاملو درجة الدكتوراه من علم يأتي من خلال دراستهم الأكاديمية فقط، أما الباقي فيكون حصيلة التأمل والمراقبة خلال سنوات عمرهم الباقية، لذا فليس كل متعلم مفكِّر" ويقول: إن الإنجاز لن يولد في الضجيج بل تتشكل ملامحه وسط غابات من الصمت ومن السكون.