ساعة الملك الأولى كل صباح يغرس فيها بقلمه خطاً تحت عنوان لحالة إنسانية أو شكوى لمواطن
ماهر ابو طير
23-03-2009 02:16 PM
يقرأ الملك الصحف ، كل صباح ، كثيرا مايغرس بقلمه ، خطا ، تحت عنوان ، او ينقل ملاحظة الى دفتر ملاحظاته ، وكثير من هذه الملاحظات ، تكون حول قصة انسانية ، نشرتها صحيفة اردنية ، وفي حالات شأن يتعلق بالناس ، او شكوى لانسان ، وفي شرفه بيت الاردن ، يطلق الملك العنان لافكاره ، يسرح بعيناه في الافق البعيد ، هم الناس ، يشرب من كأس حياته ، والشعر الاسود ، يستحيل الى ابيض ، بمرور الايام والليالي ، حتى يبقى العرش والبلد ، في منأى من غدرات الايام ، وعصف العاتيات ، وحتى لايخلو معجن في بيت ام ايتام من الدقيق ، في مملكة عبدالله الثاني الرابعة.
عبر احد عشر عاما ، بدأ عامها الحادي عشر مؤخرا ، حظيت الاف الحالات الانسانية التي نشرتها "الدستور" عبر سلسلة "حكايات لايعرفها احد" الاسبوعية ، وسلسلة "عين الله لاتنام"اليومية ، بلفتات ملكية مازالت مستمرة حتى يومنا هذا ، وكثيرا ما يتصل القصر الملكي مستفسرا حول حالة منشورة ، فتتم مساعدتها ماليا ، او علاجيا ، وفي حالات يوعز القصر الى الجهات الحكومية ، لمتابعة الحالات ، ومن هذه الحالات قصة لانسان نشرت على مشارف العيد ، احتار في ابنه المريض ، يريد ادخاله الى المستشفى ، وترفض كل المستشفيات الحكومية ادخاله ، برغم خطورة حالته ، فيأمر الملك قبل ساعات من عيد الاضحى ، بادخاله ، ويأمر بتسديد ديون العائلة وتعييدهم ، حتى ان الاب المكلوم ، التي نشرت حكايته ، لايصدق حتى يومه هذا ، ماجرى ، ويقول انه لم يترك اي مستشفى الا وذهب اليه ، دون فائدة ، حتى جاء فرج الله ، في ساعة رحمة.
ويتلقى الملك ، في بريده الاف الرسائل ، يقرأ بعضها ، ومنها قصة ارملة شهيد ، في الطفيلة ، تزوجت قبيل حرب حزيران باسبوع ، وحين دق نفير الحرب ، جاءت السيارة العسكرية الى باب بيتها ، تطلب من العريس ان يترك شهر العسل ، وان يلتحق بالحرب ، تركها تودعه عند الباب ، تلوح له بيمينها ، ولم تكن تعرف ان "العريس"لن يعود ، فذهب مع رجال الجيش الاردني العربي ، الى الخليل ، ليستشهد هناك ، ومنذ ذلك اليوم ، لم تتزوج السيدة ، بقيت في غرفتها وحيدة ، تتساقط دموعها ، على الفارس الذي ترجل ، وكان ان كتبت رسالة للملك ، ظنت لاحقا انها ضاعت بين آلاف الرسائل ، ففوجئت في صبيحة يوم جنوبي ، بأن هناك من يطرق بابها ، ففتحت الباب متثاقلة ، فاذا بها امام الملك وجها لوجه ، دون سابق ميعاد ، ماسحا حزنها عن وجهها ، بيده الهاشمية ، رافعا عن كاهلها تعب الأيام والليالي.
ويأتيني رجل من الكرك ، قطعت يده اليمنى في حادث مروع ، يبكي قبيل عيد الفطر ، حين يقول ان بيته سيؤخذ منه ، جراء الاقساط التي عليه ، وجراء خسارته لوظيفته ، وحين يحدثك الرجل عن ألمه ، لاتجد سوى القلم وسيلة لرفع التعب عن كاهله ، فتنشرها الدستور ، فيستجيب الملك ، لمعاناته ، ويساعده ماليا ، بما يحل مشكلته ، ويجعل خطر مصادرة البيت يزول عنه ، ومثل الرجل آلاف الاردنيين ، الذين للملك في بيوتهم قصة ، من تعليم طالب الى معالجة مريض ، الى انصاف مظلوم ، وفي القصر الملكي فريق كامل يتابع ايضا ماتنشره الصحف ، فيساعدون مادامت المساعدة ممكنة ولاتخالف معايير محددة ، بتوجيه من الملك ، الذي يؤمن بكون القصر قصرا للشعب في غرفه ضحكات الاطفال الذين يتم انصافهم ومعالجتهم ، وفي حجره الابيض وجوه بيضاء ، رسم الملك المسرة ، عليها ، خلال سنوات حكمه المديد.
"باب رغدان"قصة اخرى ، فمنذ الخامسة فجرا ، وبعد صلاة الصبح كل يوم ، يذهب مواطنون من كل انحاء البلد ، الى باب قصر رغدان ، بانتظار الحصول على حقهم ، الذي هدرته جهات اخرى ، وقوس مدخل قصر رغدان ، كان قوسا شعبيا ، مر تحته مئات آلاف الاردنيين خلال عقود ، ويستقبل هؤلاء فريق متخصص في الاستماع الى احتياجات الناس على مستويات مختلفة ، ولايعود هؤلاء في غالب الحالات الا وقد حصلوا على مبتغاهم ، ولعل السمة الاساس ، هي تذكر هؤلاء انهم يعملون باسم الملك ، فلا يصح سوى الصبر واحتمال الناس ، مهما بلغت شكواهم وتطلباتهم.
وفي حكاية اخرى نشرتها "الدستور"اروي قصة ثلاث بنات ، بلا بيت يسكن في غرفة لايسكنها البشر ، ابدا ، ولاترضى بها لعدوك ، والحكاية هزت الرأي العام ، غير ان للملك منها موقفا ، في ذات اليوم ، حين يأمر ببناء بيت للبنات الثلاث وامهن ، وهو ماتم وماجرى فعلا ، خلال شهور قليلة ، في حي من احياء عمان الشعبية ، وهي ذات القصة التي تكررت مع عائلة من جرش نشرت "الدستور" حكايتها ، وسط معاناة لايعلم بها الا الله ، فيكون لها بيت وعلاج ودعم مالي ، وانقاذ على كل المستويات ، وكثيرا ما يأمر الملك بعدم كشف الخير المستور ، وعدم التشهير بفعله للخير ، لانه يرى ان هذا عمل لله ، وقد ابدى ذات مرة ملاحظة على نشر صور من يتلقون طرود الخير الملكية معتبرا ، ان الهدف هو مساعدة الناس ، لا..التأثير عليهم اجتماعيا ، بشكل يمس مشاعرهم سلبيا.
وفي قصة اخرى جاءت عبر زاوية "عين الله لاتنام" يعالج الملك طفلة صغيرة من الامها المبرحة ، وينقذ حالتها ، بعد ان سدت السبل في وجهها ، فلايغيثها سوى الملك الذي في قلبه حكايات اجداده الهاشميين ، الذين كانت ايديهم مبسوطة للناس منذ فجر التاريخ ، وسر سيادتهم ، سر القرب من الناس ، والتواضع لهم ، وحين يكون الهاشمي خادما للفقراء والمساكين ، ماسحا للغبار عن اردية الفقراء والايتام ، يتجلى عندها سر الرحمة عليه وعلى الناس في توقيت واحد ، منذ هشم الثريد لحجاج بيت الله الحرام ، قبل الاف السنين ، وحتى يومنا هذا ، حين تكون اغاثة الناس ، عقيدة لاجدل فيها ولانقاش.
الاف الحالات عبر احد عشر عاما ، من سلسلتي حكايات لايعرفها احد وعين الله لاتنام ، حظيت بدعم ملكي خاص ، من بناء بيوت لفقراء وتعليم محتاجين ، وعلاج مرضى ، وانصاف مظلومين ، وارسال فقراء الى الحج والعمرة ، وهي حالات يشهد اصحابها كيف اغاثهم الملك ، في لحظات ضاقت فيها الدنيا عليهم ، ولم يبق لهم سوى باب قصر الملك ليطرقوه ، وحين طرقوه ، لم يجدوا بابا ، اذ ان القصر بلا باب ولاحاجب ، مادام القادم اردنيا ، يأتي الى بيته ، ويدخله وقتما شاء.