السيستاني وخيبة الأمل بالانتخابات
محمد برهومة
05-03-2018 01:06 AM
حين تأسس مجلس التنسيق السعودي - العراقي في آب (أغسطس) 2017، تفاءل محللون استراتيجيون بأن يكون فرصةً للعراق لإحداث انزياحات فارقة قد تصل إلى حدّ الانضمام إلى منظومة «مجلس التعاون» الخليجي، وكعضو له أهمية اقتصادية وجغرافية وسياسية وأمنية خاصة. لكن حتى الآن، ظهر أن هذا التأسيس كان خطوة جزئية لم ترقَ إلى الطموح الذي عبّر عنه أولئك المحللون.
ومع أن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، الذاهب إلى منافسة انتخابية حامية في أيار (مايو) المقبل، يراهن في حظوظه على إنجاز حكومته في شأن هزيمة «داعش» عسكرياً، وفي التغلب على موضوع الاستفتاء في كردستان، وتحسين علاقات العراق مع جواره ومحيطه العربي، وزيادة التناغم مع الجانب الأميركي، فإن توتر العلاقات الإيرانية - الأميركية، وعدم ترسيم علاقة جيدة بين طهران وواشنطن في عهد ترامب، قياساً في الأقل على ما كانت عليه الحال زمن إدارة أوباما، سيُخفِّض من جرعة التفاؤل العربي والأميركي، على حدّ سواء، بحيدر العبادي، أيْ من حيث مدى قدرته على اجتراح استقلال كافٍ عن محور طهران وأولوياتها الخارجية.
وعلى رغم أنّ بعض الأمل راودنا ونحن نرصد في السنوات الأخيرة تصاعد امتعاض العراقيين من سياسات ومواقف الأحزاب والتيارات الدينية - الطائفية الفاسدة في بلاد الرافدين، إلّا أن الظاهر حالياً أن استعدادات وتحالفات القوى والأحزاب العراقية للانتخابات العامة المقبلة لا تُقدِّمُ لذاك الأمل روافع سياسية وأدوات شعبية تحمله. فالتيار المدني العراقي، في ظل التشظي السياسي والانتخابي، واحتدام الارتهانات الشخصية والطائفية والقومية، يبدو ضعيفاً أو لا يتوافر على القدرة على تقديم مشروع وطني بديل. وترجّح قراءات بأن موقف كتلة إياد علاوي المتردد من استفتاء كردستان قد أضعف حظوظه في المواجهة الانتخابية المقبلة؛ وهي مواجهة يتصدّرها حدة الاستقطاب، فيما تأتي المواقف الوسطية والتوافقية، والحديث عن تيار عراقي وطني مستقل عن التناقضات الإقليمية في مرتبة أدنى.
التوجّه الأميركي لتشديد الاتهامات لإيران بزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، بالتالي فرض مزيد من العقوبات عليها وعلى «حزب الله»، تجعل حيدر العبادي يتجه إلى اتخاذ موقف «الحياد» حيال الصراع الأميركي - الإيراني من جهة أو الصراع الإيراني - السعودي من جهة أخرى. وقد أعلن العبادي في (20/2/2018) أن هناك «نزاعات إقليمية، وكل دولة تريد تحقيق مصالحها على حساب الأخرى، لكن العراق لن يسمح باستغلال أراضيه ضد إيران». بعد ذلك بيومين حذر «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، من الاستجابة إلى طلب القوات الأميركية بإبعاد «الحشد الشعبي» عن مناطق وجود قواعدها في العراق، معتبراً أن هذا الأمر «يُمهّد إلى عودة الاحتلال».
«موازين قوى» كهذه قد لا تسمح للانتخابات العراقية المقبلة بأنْ تجلب «تغييراً» أو إصلاحاً منتظَراً. المؤشرات والشروط غير متوافرة لذلك حتى الآن، وهو ما لاحظه المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بحضه الشعب العراقي على إجراء «تغيير سياسي» خلال الانتخابات العامة المقبلة، وتأكيده أن «التغيير قد يواجه صعوبات وتعقيدات وإرادة معطلة، لأنه يتصادم مع مصالح آخرين يحاربون الإصلاح».
الحقيقة أن هذه الوضعية التي ينبّه إليها السيد السيستاني هي الشرارة التي أطلقتْ الاحتجاجات العربية، وبعد سبع سنوات نجد أن الواقع العنيد يزداد عناداً: موازين القوى وأدوات النفوذ فرّغتْ الانتخابات من محتواها، والانتخابات وقوانينها تُعطي حياةً أخرى لتلك الموازين، وحين نُقلِّبُ النظر سنتأكد أنّ هذا ليس حال العراق وحده، أليس كذلك؟
الحياة اللندنية