تبادر إلى أذهاننا أن داعش هزمت عندما تم طردها من الموصل العراقية ، وأن الهزيمة كانت كاسحة عندما تم طردها من عاصمتها الرقة السورية التي عاشت فيها سنين طوال.
الحقيقة أن هزيمة داعش لم تكن كاسحة كما اعتقدنا ، صحيح أنها تمسكت بالمدن التي سيطرت عليها ولم تغادرها إلا بعد تدميرها بالكامل على رؤوس ساكنيها ، ولكن حتى في هذه الحالة فقد خرج مقاتلو داعش من الحرب أقوى مما كانوا تنقصهم القيادة المركزية التي استعاضت عنها بالقيادة غير المركزية والمعروف أن داعش موهوبة في هذا المجال ، ولن تستسلم بسهولة أو تعتبر المعركة منتهية.
لم يتم أسر أو قتل مجاهدي داعش بعد دخول عاصمتهم من قبل حلفاء أميركا ، مما يعني أن الطرف الأميركي هو الأكثر معرفة وقد يكون صاحب القرار فيما آل إليه هؤلاء بالتحول من تنظيم فوق الأرض إلى تنظيم تحت الأرض ، خاصة وأن وسائل الاتصال الحديثة التي يوظفها داعش في منتهى التطور والفعالية.
لا بد أن يكون لدى الأميركيين صورة كاملة عما حصل لرجال داعش ومعرفة بالخطط التي تتم صياغتها في الوقت الحاضر لاستئناف العمل بطريقة أخرى ولكنها لم تفعل شيئاً.
على العكس من ذلك فإن دراسات المخابرات الأميركية تصف ما ستقوم به داعش من إجراءات تنظيمة ، ربما بشكل لم يخطر على بال قيادات داعش نفسها مما يمثل دليلاً تستفيد منه داعش لما يمكن أن تكون عليه الإدارة تحت النظام اللامركزي.
المهم عند أميركا أن تبني عشرين مركزاً عسكرياً في الرقة ومحيطها من حلفائها الأكراد ، لتحقيق التوازن مع روسيا التي بدورها بنت عشرين مركزاً. روسيا في سوريا ومن المرجح أن عيون أميركا ليست موجهة لبقاء أو هزيمة داعش بل للدور الروسي المتعاظم.
تدل المؤشرات على أن الأوضاع في سوريا في طريقها إلى الاستقطاب ، وأن يكون التركيز على روسيا التي اعتقدنا أنها ستفرض رأيها وأميركا التي ظننا أنها ترغب في الانسحاب.
روسيا دولة عظمى ، والانسحاب أو الفشل يزعزع صورتها وهيبتها الدولية ، وأميركا دولة عظمى لا يمكن أن تترك إسرائيل لمصيرها. وبالتالي فإن غلبة جانب على آخر غير واردة ، وفي جميع الحالات فإن الضحية هو الشعب السوري الذي دمرت مدنه وقراه ، وغادر خمسة ملايين من السوريين إلى الخارج كلاجئين غير مرحب بهم أو كنازحين ضمن حدود سوريا ولكن إلى أمكنة أكثر أمناً.
الطرف الغائب في الموضوع السوري هو الطرف العربي الذي يفضل أن يراقب الأوضاع من بعيد ، ولا يتحرك على الأقل لموازنة النفوذ الإيراني في سوريا.
الرأي