ينظر الجمهور العالمي الى الجيوش على أنها فرق عسكرية قتالية تتعامل بالعدد والعتاد والخطط القتالية والمهمات الحربية وغزو البلاد الأخرى وشن الحروب و امتلاك المقاتلات والصواريخ وتصنيع الأسلحة الفتاكة،ولو إختصرنا ذلك المخيال لقلنا أن مهمة رجال الجيش حسب المفهوم المدني هو «مقاتلو الحروب»،وهذا نظريا أقرب الى الواقع في كثير من العديد من البلدان، ولكن يغفل الكثير عن الدور الحقيقي للجيش في الدول الإنسانية التي تعرف كيف تصنع جيش الحرب والسلم في عقيدة واحدة، ولعل ما يهمنا هو جيشنا العربي الأردني الذي يعد أنموذجا للقوى الإنسانية وسط هذه الغابة المتوحشة في الشرق الأوسط،حيث تقدم الهدف الإنساني والتنموي على الهدف الحربي المخصص لحماية الوطن والمواطنين.
نعيش هذه الأيام ذكرى تعريب الجيش،وتنتظرنا ذكرى معركة الكرامة، وبعدها ذكرى معارك حزيران التي قاتل فيها الشغاميم الأبطال من أفراد وضباط جيشنا الأشاوس قتال الأبطال مهما كانت نتيجة المعركة،وهنا لا أريد الخوض في معارك الموت والشهادة، بل أريد أن أتحدث عن الكفاح المدني لقواتنا المسلحة في سبيل تطوير وتأهيل أفراد المجتمع من النشء حتى الشباب دراسيا وعلميا وعمليا وتقديم الخدمات الإجتماعية لهم من تعليم وطبابة وتسكين وإغاثة وتشغيل في كافة مناطق المملكة خارج المدن،وهذا الدور الطليعي لايزال قائما حتى الساعة. لقد بدأت مهمة التعليم من قبل القوات المسلحة منذ بداية أربعينيات القرن المنصرم، حيث افتتحت ثلاث مدارس أولاها مدرسة الحسين الثانوية عام 1946 في القويرة جنوب المملكة، ثم كلية الشهيد فيصل الثاني الشهيرة 1946، وتبعتهما مدرسة النصر 1949 ، وبعدها استمر إنشاء وضمّ المزيد من المدارس لمديرية الثقافة العسكرية التي تبلورت عام 1952 وتم رصد الموازنات لها حتى بلغ عدد المدارس في العام 2017 (42) مدرسة موزعة على مناطق المملكة التي لا تغطيها الخدمات الحكومية في البادية والأرياف،وتضم 18 الف طالب وطالبة تُقدم لهم كافة الخدمات الإدارية والتعليمية والاجتماعية المتميزة والمتطورة إسهاماً من القوات المسلحة الأردنية في خدمة المواطن الأردني وتسليحه بالعلم ومن المتوقع أن يبلغ عدد مدارس الثقافة العسكرية بحلول العام 2021 نحو54 مدرسة. وكما قدم جيشنا الخدمات التعليمية،فهو بدأ مبكرا بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين فضلا عن منتسبيه من كافة الأجهزة المسلحة والأمنية عبر بوابة الخدمات الطبية الملكية التي عالجت الملايين من المواطنين خلال العقود الغابرة، ولا تزال مدينة الحسين الطبية والمستشفيات العسكرية في المحافظات تقدم أفضل الخدمات وتخرّج أكفأ وأمهر الأطباء وتقدمهم للقطاع الخاص، حتى طافت سمعة خدماتنا الطبية آفاق العالم.
تضم الخدمات الطبية الملكية،فضلا عن مدينة الحسين ومستشفياتها المتخصصة كمركز القلب الشهير ومركز علاج السرطان،عشرة مستشفيات موزعة على جغرافيا المحافظات الأردنية، وزد على ذلك أحد عشر مركزا طبيا في المدن الرئيسة، تقدم الطبابة المجانية لأكثر من مليوني مواطن من عائلات المنتسبين والمدنيين كذلك، ودون أي غايات ربحية، ولا تخرج نهاية العام لتعلن عن إرتفاع أرباحها وأسعار أسهمها، بل إن أرباحها موجودة في ميزان القلوب الأردنية التي تعرف الفضل لمن، وتلامس شغاف أفئدتهم حين تخفق بذكريات أحبائهم المرضى أو الذين قضوا نحبهم.
إن من الظلم والعقوق أن تتعمد بعض الجهات أو الأفراد غمط حق المؤسسة العسكرية الأردنية في دورها الوطني وهذا الذي لا تقدمه الأحزاب والجماعات والشركات الكبرى والرؤوس الحامية، حتى رأينا كيف يتنكر البعض ممن يتقاعدون لمؤسستهم الأم التي لولاها لما عرفوا ما هو هذا العالم،ولما تمكنوا من الجلوس فرهين على المقاعد متشدقين، فيما المجتمع المدني يقدّس المؤسسة ويشعر باعتزازه بها. في هذا العالم جيوش قتلت أبناء وطنها،ومنها من شارك في تدمير بلاد بأكملها، وهناك من الجمهوريات العسكرية من أسست للفساد المالي والوظيفي عبر قواتها المسلحة، وهذا ما سرّع في هدم بنية الدولة فيها نتيجة صراع المصالح وتقاسم الثروات، ولكن الأمر عندنا مختلف، فمؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية لها خصوصية وجدانية لدى الشعب،وهي القلعة المنيعة للذود عن حياض هذا الوطن، وتعدّل رأس من حاد عن صوابه،وتحمي المواطنين وتخدمهم،وتحارب قوى الظلام وآباطرة الشرّ الذين عاثوا في بلاد الله قتلا وإفسادا، وهذا يتطلب تقديم الدعم والإسناد،وزيادة مخصصاتها من الموازنة الحكومية التي تحتكر الحقيقة في ظل تغول التوحش وتغول القطاع المالي، وذلك ليستمرجيشنا في عطائه وتقديم خدمات تعجز عنها الحكومات.
Royal430@hotmail.com
الرأي