في الصدر حشرجة ، وفي المتبقي من القلب عتاب يا بيروت ..... لم تأت البارحة على الموعد !!!..... أنتظرت حتى تثائب الصباح ، حتى نبهني مؤذن الفجر أن حان الرحيل.... أجراس الكنائس كانت تنشد مع صوت الآذان تراتيل العيد ، نغم دخل القلب ولم يخرج ... أخذني من يدي المبتلة بالمطر وبالخوف من الآتي ... ابتسم بوجهي الشاحب على طريقة الأرز ثم سلمني مفاتيح الجنة وغادر ...... غادر بعيدا بحثا عن دفئ محتمل في ثنايا العروق.لماذا لم تأت يا بيروت ؟
فتشت عنك في كل مقاهي ( الروشة ) .... كانت المقاعد كالأيتام ... خلت من كل شيء الا الدمع في المآقي.
أين الناس يا بيروت ؟ أين العشاق يقبلون البحر المستسلم للقبلة حتى يغرق كل في الآخر؟؟ ... أين الآخر يابيروت ؟؟؟؟ ردت رائحة القهوة بصوت خافت : عبثا يا سيد أنت تحاول.
قلت لعلك في إحدى الزوايا تتمتين ببلقيس .... فلم أجد سوى سوى سفر الخنجر في خاصرة نزار وتغلب وبكر ووائل.
قلت لعلك تستحمين بالمتوسط....... أرسلت نظرة انكسار خجولة على شراشف الأمواج القادمة من آخر الدنيا..... فلم أرى سوى نويرس حزين يبحث عنك كي يطعمك.
قلت لعلك ترتلين سفر التكوين بين يدي الله في (جونيا )..... أو ترتلين سورة يوسف في الضاحية الجنوبية...... فلم ألمح صليبك ولا حجابك بين العمائم والصلبان.
أين أنت ؟؟ أكاد أجن يا بيروت.... وربما جننت فعلا .. فأي عاشق هذا الذي يبحث عن بيروت ببيروت؟؟؟
أنا أشتم رائحة الموت مرة أخرى .... أتوسل أليك يا حبيبتي قولي لي بأنني أهذي... قولي لي بأني ثمل.... قولي لي بأن الموت فيك قد مات.
أقبل جبل الشيخ جبينك .... قولي لي بأن أصوات قرع الأجراس لم تكن أصوات طبول الحرب..قولي لي بأنها كانت صوت الله ينادي المؤمنين سلاما وخلاصا ومحبة.
أقبل قدميك الطاهرتين جنوبا... قولي لي بإن صوت المؤذن لم يكن الشيفرة السرية لصفين والجمل.... قولي لي بإنه كان صوت الله ينادي المؤمنين ( اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا).
أقبل أرزة وجهك الأخضر.... قولي لي بأن اختفائك البارحة مجرد حزن على عشاقك الذين اختلفوا فيك ومنك وعليك.
إسمعي يا بيروت.... إسمعيني جيدا .... حين القوك في غيابة الجب في المرة الأولى كنت منشغلا بطفولتي ولم يشتد عودي بعد لذلك لم يكن بمقدوري أن أتدخل ..... وحين جاء الفرقاء بدم كذب على علمك المنسوج من حدقات العيون..... كنت مجرد شاهد بلا وعي لكن حدس الطفل بداخلي كان يعرف بان جريمة قد ارتكبت.
أما هذي المرة فقد كبر العاشق وصار يعرف جيدا كيف يميز بين دم القاتل والقتيل..... لذلك أستحلفك ببنت جبيل أن تسمعيني جيدا.
إجمعي كل الفرقاء من جديد... اجمعيهم في قلبك البقاعي الطيب.... واخبريهم بأن هذا العشاء قد يكون الآخير، قولي لهم الحقيقة كاملة....قولي لهم بأنك من دم المسيح عليه السلام براء... قولي لهم بأنك صلبت بعده الآف المرات... قولي لهم بملء فيك .... بأن دم المسيح برقبة اليهود.
قولي لهم بأنك مع علي وعائشة ومعاوية ويزيد رضوان الله عليهم..... وأنك التزمت الحياد في فتنة ضرب الأعناق، فدم المسلم على المسلم حرام....كرري على مسامعهم أن هذا العشاء قد يكون الآخير.. كرريها مرارا فالسماء ملبدة بغيوم الفتنة.
أنا كبرت يا بيروت ولم يعد لاعج القلب يحتمل فجائع أخرى ..... يقطع أوصالي هذا القتل على الهوية.....جميل أحمر الشفاه على شفتيك وموحش أحمر الدم على كفيك.