تكسير الهيبات و نظرية النوافذ المحطمة
اسامة احمد الازايدة
03-03-2018 02:37 AM
نجيدُ نحن العرب قراءة التاريخ و استقراء نظريات علم الاجتماع فيما مضى من احداث ، لكننا لا نحسن -البتّة - استطلاع القادم و لا نتعلم مما رأيناه في التاريخ البعيد و لا القريب.
حينما باغتَ الربيع العربي بلاد العرب بعد سكون بضعة عقود ادرك العديد منا المؤامرة الغربية و لمسنا (المساس بهيبة الدولة و رمزيتها كأحد أهداف الفوضى الخلّاقة)و ربما كان أول مساس جسيم برمزية الدولة لدينا منذ اكثر من أربعة عقود .
و قد تجاوز الاردن تلك المرحلة بحكمة زامنها الانقلاب العسكري في مصر فأخذنا منه حكمةً اخرى بالرغم من رفض ضمير الشعب لما حدث هناك ، و لا ننكر ما كان يحاك للأردن من مؤامرات خارجية لاحت في الأفق الا ان ضمير الشعب كان المحبِط لها ، و صمد الوطن بمواجهة رياح شرقيةٍ و أخرى غربية فلم تنثر بيادرنا المتواضعة و لم تكسّر جذور اشجارنا و ان هي نالت من اوراقها و بعض أغصانها .
أما اليوم و بعد بضع سنين عجاف لم نقدِّم لهنّ شيئاً ، لا يخفى ان جذورنا العصّية لم تعد بصلابتها ليس بسبب العامل الاقتصادي بل لان إداراتنا تفتقد الحكمة و لا تستمع للحكماء ، فمصدر الخطر هنا ذاتي و ليس خارجي.
كل يوم ؛ نفقد حصناً من حصوننا المعنوية ، فتتكسر هيبات الدولة ، الواحدة تلو الاخرى ، بسلطتيها التنفيذية و التشريعية ، لان من يتولى المنصب يقزّمه حسب حجمه فإن غادره تركه في حالة التقزّم فهو بذلك لا يؤذي نفسه بل يؤذي رمزية الصورة ليصبح سبباً للتندر او التذمر ، و لو جاء بعده حكيمٌ -بالفرض الساقط-لن يَسلم من النقد لان النوافذ غدت محطمة ،و رمزية المركز أصبحت في مهب الريح ، و أصبح شعور الغيور على الوطن كشعور من حضر ميّتاً يحتضر فيراقب موته؛ فتارةً يمسح جبينه و تارةً يُنقّطُ في حلقه و ليس لديه أي علاج له.
- فكيف للمواطن ان يستعيد ثقته بحكومات منذ ان خصخصت موجودات الوطن -و بدلا من ان تسد الديون - ضاعفت مديونية الدولة اكثر من خمسة أضعاف ، و كيف للمواطن ان يثق بحكومات تبيعه المحروقات بأكثر من ضعفي ثمنها عالميا، و كيف له ان يأمن لحكومات تقرّ أن العمرَ المتبقي لمؤسسة الضمان الاجتماعي قد لا يتجاوز عشرين عاما ، و كيف للمواطن ان يقتنع بحكومة تسمي إجراءات رفع الضرائب خطة تحفيز اقتصادي ، كيف له ان يستعيد مصداقية حكومة تعد يوم الخميس بعدم رفع أسعار المحروقات و ترفعها يوم السبت ، فأصبحت محلاً للتندر و أهانت رمزية منصب رئيس السلطة التنفيذية!
- كيف للمواطن أن يثق بمجلس نيابي أقر موازنة رفع الأسعار و الضرائب ثم أبدى غضبه من رفع الأسعار .
ما لا يدركه معظم مسؤولينا ان مفهوم عدم تجاوز ( الخط الأحمر) هو مفهوم بُنيوي قوامه ذهنية المواطن في عقله الباطن بأن ذلك الأمر لا يمكن تجاوزه ليس خوفاً من العقوبة بل لكونه معتقد ثابت ، تماما كما يحمي الانسان روحه و عرضه فإن زال هذا المعتقد فلن يحميه عقوبة و لن تردعه سجون و معتقلات .
على المسؤول و المؤتمن على مكتسبات الدولة ان يعي (نظرية النوافذ المحطمة ) تلك النظرية التي تؤكد ان الجريمة تنمو في بيئة من عدم الانتظام ، هذه النظرية تلقي بظلالها ايضا على هيبة المؤسسات ؛ فالمستشار او المسؤول المتعجرف إن هو أساء لمواطن و استغل نفوذه بإهانته دون وجه حق فقد كسّر نافذة مؤسسته و جعلها في مرمى النقد و الشتيمة احيانا ، و الوزير الذي يحيل عطاءات وزارته كأنما هي أعطياتٍ من مزرعته ، فهو بذلك يكسِّر نوافذ وزارته و يجعل للمُحقّ و غير المحقَّ ان ينال منها لأجله في اقرب فرصة تتاح .
و النائب الذي يندفع في إقرار موازنة ظالمة ثم يؤيد عزل قبته بزجاج عازل مخالفا الدستور الذي يؤكد علنية جلسات النواب إنما حطّم نوافذ السلطة التشريعية و جعلها بنظر الناس الممثلَ المتواطئَ عليهم.
لا أحد راضٍ عن تحّطُم صورة هيبة الدولة و لا حتى المعارض لسياسة الحكومة لكنها -نتيجة ما ذكر -انحدرت ككرة الثلج و لا زالت في بداية المنحدر فهل لدينا حكماء يوقفونها قبل ان تصل الى المنحدر .
سيادة القانون تأتي بعد وقف الكذب و التعسف و بعد إصلاح النوافذ المحطمة في كل المؤسسات .
لا نزال اليوم - و بايجابيةٍ غير مقنعة لمعظمنا- نتحدث بلغة البحث عن حلول تقينا شر قلب النار و ان كنّا على شفا حفرتها تلسعنا بشررها المتطاير هنا و هناك، لكنني أقول اننا لم نقعْ بعد و لا زال لدينا بعضٌ من أملٍ بأن نعيد تحصين أمرنا .
فأخرجوا الكاذبين و أصلحوا النوافذ ، عندها سيصطلح حالنا أسرع من خططكم الخمسية البائسة.