المرافقة ليست موافقة دائمًا!
محمد الداودية
02-03-2018 01:45 AM
كانوا خمسة أردنيين في وفد الى بيروت، شكّله وزيرٌ سابق، بينهم عضو ملتحٍ يبدو من حركاته وسكناته وملابسه وجلسته، انه جديد على ما هو فيه وعلى وضعه الجديد.
لاحظ اخونا ان اربعة اعضاء الوفد، نهضوا في الليلة الأولى، بعد العشاء مباشرة، وتوجهوا مبكرا الى غرفهم للنوم متذرعين وسط دهشته، بالتعب من وعثاء السفر، الذي كان اقل من ساعة طيران؛ فقد كان في ذرى النشاط والحيوية وكان يسألهم في الطائرة وعلى العشاء اين سيسهر الوفد.
نحو الساعة الحادية عشرة، لجّ عليه صداع عنيف قوي، ولم يكن معه اية مسكنات تخفف الآلام والتقلصات التي تعبث وتعيث في جمجمته.
هبط الى اللوبي وطلب من موظف الاستقبال اللبناني الشاب ما يخفف عنه صداعه. ولم يكن مبتغاه لدى الموظف، الذي قال له انهم يعالجون الصداع في الضيعة اللبنانية وفي مدينته صيدا بلف المناشف وشدها بقوة على رؤوسهم.
امتعض صاحبنا من النصيحة الفجة التي كانت جدته تلجأ اليها قبل 30 سنة، وطلب من النادل ان يتصل بغرفة احد اعضاء الوفد الأربعة، لعله يجد عنده ما يريحه.
ضحك الشاب اللبناني حتى اوشك ان يقع على ظهره، ولما تمكن من التقاط انفاسه قال له: «يا خيي يا حبيبي رُفْآتك ظهروا قبل ساعة. طلبتلهن تكسي حملهن لكازينو لبنان. ورح يظل معهن للساعة 5 الصبح!» واضاف الشاب وهو يغالب ضحكه قاصدا ان يزيد في ايلامه: «رح يحضروا حفلة المطربة المحبوبة المثيرة، باسكال مشعلاني، اللي بتبلش السيعة تنتين فجرا»!
احس صاحبنا بالصدمة والخذلان. وغضب غضبا هائلا، واخذ يزفر ويرعد ويزبد ويذرع اللوبي بتوتر عالٍ، احس به النادل اللبناني الذي اصابه الذعر، فسارع الى طلب فنجان قهوة عالريحة، وفي الاثناء كان يحاول ان يهديء من انفعال صاحبنا وتوتره وسخطه.
على الفطور كان اربعة اعضاء الوفد في حالة نعاسٍ بوجوه شاحبة وبعيونٍ ذابلةٍ، لايخفى فعلُ السهر وتاثيره عليها.
افصح عن معرفته بسهرتهم الصاخبة واعرب عن شديد اللوم والعتب؛ لأن ما فعلوه ليس من اصول المرافقة، قائلا بلهجة تصالحية:
«المرافقة موافقة يا اخواني»
ولما بينوا له وهم في حالة خجل من فعلتهم، انهم اضطروا الى التسلل من ورائه خفية وخلسة، لأن «المكان» - ولم يقولوا النادي الليلي- لا يناسب شخصا مثله، ولأن فيه «بعض» التبرج الذي لا يليق بالتفرج. باغتهم بقوله: الاصولُ والواجبُ وحقُّ الرَّفَق يفرض ان تستشيروني. فقال له اشدهم مكرا وخبثا وسط ذهول واستغراب رفاقه الثلاثة: «ما صار شيء. نحن ذاهبون الليلة فهل ترافقنا!؟»
اذهلهم وصدمهم وزلزلهم بقوله: سارافقكم بنية هدايتكم!!!
هذه قصة حقيقية واقعية تكشف عن هشاشةِ ومظهريةِ وضعفِ وضحالةِ، بعض شبابنا المستجدين الذين يتزيون بزي الوعاظ ورجال الدين، قبل ان تستوي لديه الحالة الايمانية، فيقعون في وهدة اول تجربة، وتخدع حالتُهم الاخرين فيظلمون رجال الدين الحقيقيين الذين امتلأت قلوبهم ايمانا وتقى ويقينا. وتطابق مظهرُهم مع مخبرهم.
الدستور