في ذكرى استشهاد راشد الزيود
النائب الدكتور مصلح الطراونة
01-03-2018 12:28 PM
غالبا ما يجتاحنا الحزن على هيئة ذكرى ، في ثوب صوت جميل يباغتك على حين غرة ، يذكرك بذلك الجميل المهيب ، الذي كان يجلس في الصفوف الأمامية ، لم يعتد أبدا ان يكون في الخلف ، و كأنه على علم بما سيحدث لاحقا .... ذات درسٍ قال: (ليتك كنت ضابطا معنا يا دكتور)، و أجبته وتلك الذكريات تمر بي (وودت ذلك يا راشد ، ولكن لم يكن لي واسطة ، في وطننا ، أنت في ظل واسطتك)...
مرة أخرى أقف لأنعى ... و طالبا آخر لي أنعاه غير سائد ، أي قدر هذا الذي جعلني أنعى طلابي ، وهم في زهرة العمر ... فارسي هو راشد الزيود ، فسلام عليك يا راشد ، سلام على الرمح الأردني الذي لا يلين ... سلام على صوتك المجلجل في سماء التضحية ، سلام على أرض أنبتتك يا ولدي ، أرض حرفتها كحرفة أمهاتنا إنبات الرجال لساعة الشدة، وسلام لذلك الأب يودعك التراب و نفسه تغني طربا :
و نفسُ الشريفِ لها غايتان ورودُ المنايا و نَيلُ المُنى
سلام على الصبر الشامخ في قلب أبيك ، سلام على تلك الجميلة الصغيرة التي تركتها خلفك ابنةً لكل شريف أردني ، ... سلام لكل من أوجعه غيابك المهيب ، و صمتك الصارخ ، وموتك المجيد .
من الكرك من هنا ... من أرض سائد و صهيب و إخوتك ، الذين غادرونا أيضا على حين غفلة ، ننعاك كما ننعاهم شهداء قلعتنا ، وجعنا بكم أيها الراقدون على ثرى المجد ، ليس وجع الفقد ، فذكراكم لا زالت تعانقنا و تعطر أمسياتنا بالحديث ، فمثلكم لا يُنسى ، و مثلنا لا يَنسى ، ولكن الوجع يا أحبتي وجع موت يخطف الأجمل ، يترك الفاسدين على كراسيهم، و يقطف زهرة أعمار الأوفياء .
ذات يوم ، وكان من واجبي التربوي أن أقوم بتغيير البيئة أثناء المحاضرة ، فأخذتكم إلى حديقة قريبة ، ... الأرض مغبرة و المقاعد كذلك ، فتسابقتم جميعكم ، من سيجلب لي (كرتونة) أجلس عليها ، كي لا تتسخ بذلتي ، ليتها اتسخت و ليتني غبرتها بما تبقى من غبار الشرف و التضحية، ليتني حينها كنت معكم ، و كأن أخر هو الذي يحاضرنا ، ربما كان لي شرف الموت بجانبك أو بجانب سائد ،
يا فارسي الأصيل ، حري بذكرك أن لا يغادرنا ، و حري بنا أن لا نترك الحديث بكم و عنكم و لكم ، فمن جميل الوفاء ، أن تغدو أنت و رفاقك أيقونةً في سماء هذا الوطن الذي يزخر بسجل الشهداء.
خيولنا يا راشد مسرجة للريح بعدكم ، نسير ولا نعلم متى سنلحق بكم ، كل موت بعدكم أصبح تضحية ، و كأنه قدر الأردنيين أن تكون حياتهم بين الشظية و الشظية ، .... موتهم لم يكن يوما موتا عاديا ، ربما اختار لهم الموت طريقة تناسب لياقتهم ، و هيبتهم ، فلم يموتوا جوعا ، ولا هربا ، قدر لهم أن يموتوا في ميادين ، و تحت أزيز الرصاص .
بكم سنحيى و لكم سنبقى أوفياء ، لأنكم أنتم المعلمون الحقيقيون ، و ما عدا ذلك هو زيف و هراء ، انتم رجال الوطن ، و غير ذلك ثقل يمشي على الأرض ، ( و إن كان للوطن رجال و كراسي ) فهم أنتم ، و البقية بعدكم هم مدعون .
لروحك يا راشد و لروح البقية السلام و لكم منا كل الوفاء
نسأله جل في علاه أن يتغمدكم بواسع رحمته أستاذك الوفي النائب الدكتور مصلح الطراونه