فرنسا تحتشد ضد سياسة ساركوزي وتستعيد ارثها الاحتجاجي
سليمان القبيلات
22-03-2009 01:44 PM
كدأبها تبدو فرنسا متمسكة بتقاليدها في فرملة جشع رأس المال، واندفاعة رئيسها نحو القطيعة مع ماضي البلاد وتقاليدها في الاحتجاج، مؤكدة بلا مواربة أن ماضيها في الاحتجاج لا يلغيه إعلان الرئيس نيكولا ساركوزي قبل عامين القطيعة مع ثقافة ثورة أيار (مايو) 1968.
وعلى خطى نصف دزينة من "المتمردين" الذين خططوا لاحتجاجات 1968 الصاخبة تقود النقابات العمالية الفرنسية هذه الايام احتجاجات واسعة تشل فرنسا، ما يعد اختبارا اجتماعيا وسياسيا قاسيا للرئيس نيكولا ساركوزي واحتجاجا على استراتيجية الحكومة حيال سياسة الحكومة اليمينية حيال الأزمة المالية العالمية والبطالة والتسريح الجماعي للعمال.
وأرغمت هذه التعبئة الشعبية الواسعة التي قادتها 200 نقابة عمالية الرئيس ساركوزي الى تخصيص 2.6 بليون يورو للأسر التي تعاني صعوبات وهو إجراء اعتبرته النقابات غير كاف.
وانخرط في اليوم الوطني للاحتجاج على السياسة الاقتصادية للرئيس ساركوزي ثلاثة ملايين شخص في جميع انحاء فرنسا، حسبما أعلنت أكبر نقابة فرنسية "سي جي تي".
وقال النقابي فرنسوا شيريك، إن على السلطة أن "ترد بجدية" على المطالب النقابية، بينما شدد برنار تيبو الأمين العام للاتحاد العمالي العام اكبر النقابات الفرنسية على ضرورة أن تبحث الحكومة مجددا مع النقابات في مطالبها المتعلقة بـ "العمل والقدرة الشرائية والاستثمارات والسياسات العامة".
ودعت النقابات الفرنسية الى تعبئة كبيرة آملة ان تكون اوسع من تلك التي حصلت في 29 كانون الثاني وضمت مليونا الى 2.5 مليون متظاهر في كل إرجاء فرنسا بحسب المصادر المختلفة.
واخذ تحرك بعض العمال منحى تصعيديا مثل العاملين في شركة سوني فرنسا الذين احتجزوا رئيس مجلس ادارة الشركة، بينما شدد الرئيس ساركوزي الاربعاء على انه "يتفهم قلق الفرنسيين في مرحلة الأزمة" الحالية لكنه رفض نداء عدة مسؤولين في غالبيته الى إشراك أغنى الأغنياء في الجهد من خلال تعليق قرار وضع سقف لفرض الضرائب عند 50 بالمائة من العائدات.
بيد أن رئيس الوزراء فرنسوا فيون أكد أنه لن يكون هناك أي "مبالغ اضافية" غير تلك التي منحت في 18 شباط وقدرها 2.6 بليون يورو للأسر التي تعاني من وضع صعب.
وقالت سيغولين رويال المرشحة الاشتراكية السابقة الى الانتخابات الرئاسية الفرنسية "أما أن هذه الحكومة تستخف بالناس وإما أنها غير كفؤة أو متعنتة وأظن أنها الثلاثة مجتمعة".
وتتوقع أوساط أوروبية أن تفضي تداعيات الأزمة المالية العالمية الى تفشي البطالة ليرتفع عدد المتعطلين عن العمل الى 25 مليون شخص، وهو ما سيستدعي ردود فعل واحتجاجات شعبية صاخبة بدا خلال السنوات الماضية أن بلدان القارة غادرتها بوهم ما عرف بثمار سياسة الرأسمالية الشعبية.
فرنسا المحتجة اليوم في غيبة "الأهداف الأممية" واليد الطولى للحزب الشيوعي لا يلجأ عمالها وطلبها الى المتاريس لمواجهة دولة ساركوزي المتعولمة، وهي بالضرورة لا تتوخى إطاحة النظام الرأسمالي وانما محاولة "أنسنته" في استعادة لإرثها في أفكار جان بول سارتر وميشيل فوكو والاشتراكية الديمقراطية.
ومنذ هيمنة اليمين على المشهد السياسي ووصول ساركوزي الى السلطة احتدم جدل حول فكرة تصفية إرث الاحتجاج من الذاكرة الفرنسية، حتى طغت الفكرة على ما سواها، أي أن تدجين فرنسا يمكن ان يجد له سندا ثقافيا ارتكاسيا يجتث جذوة الاحتجاج لدى الفرنسيين بتسويغ القبول بالسائد، وهو ما يمكن ان يتحقق عبر التصدي لحق الإضراب وقانون العمل.
في غضبها الحالي تبدو فرنسا مهزوزة تحت وطأة الأزمة العالمية، لتعود الى إرث أيار 1968 الذي باتت تصفيته ضربا من الخيال رغم كونه طموحا وهدفا لسلطة اليمين في حلته الساركوزية المنبتة عن سياقاتها الديغولية ومبادئ الجمهورية الفرنسية.
ستلتفت فرنسا بعد اليوم الى ذاتها التي عبر عنها المفكر باسكال بروكنير بقوله: من دون مايو 1968 وعقليتها الكريمة، ما كان الفرنسيون لينتخبوا ابن مهاجر مجري من أم يهودية. إن سيغولين رويال هي التي تجسد فرنسا الماضي، على الرغم من دفاعها عن مايو 1968.