من الساسة الفرنسيين الذين أثاروا كثيراً من التعليقات وقيل عنهم كثير من النكات وأمعن رسامو الكاريكاتير في تصويرهم في القرن التاسع عشر، الرئيس جول كريفي. انحدر من أسرة مزارعة ورث عنها البساطة وطيبة القلب، وأيضاً الحرص والبخل الذي اشتهر به أبناء الريف الفرنسي. تكلم عنه الأديب إدمون آبوت فقال إنه أصلح ما يكون لزعامة الفرنسيين. لماذا؟ لأنه كان حسن المعشر محباً للشراب.
ربما ساعده ذلك على البقاء في الحكم لمدة 8 أعوام من سنة 1879 إلى سنة 1887. هذه مدة ليست طويلة بمعايير الجمهوريات في العالم العربي، ولكنها طويلة جداً بالنسبة للفرنسيين الذين يميلون للتجديد ويكرهون رؤية الوجه نفسه؛ سواء أكان وجه الزوجة أم وجه رئيس الجمهورية. وهم ينتظرون أيضاً من الرئيس أن يكون كريماً محباً للحفلات والضيافة، وهو ما لم يعرف عن جول كريفي. فراح الصحافيون ورسامو الكاريكاتير يحكون عنه شتى الطرائف والحكايات.
روى عنه الكاتب الصحافي روشفرر هذه الحكاية التي نشرها في عموده بصحيفة «لانترانزيجان» ذائعة الصيت آنذاك، فقال إن الشرطة الفرنسية قبضت على شاب أنيق بملابس السهرة الرسمية بعد منتصف الليل وهو يحمل رغيفاً من الخبز سرقه من أحد المخابز الذي فتح تواً، ولدى استجوابه أفاد للشرطة بأنه سرق ذلك الرغيف بالنظر لحالة من الضرورة القصوى. ثم أضاف: «لقد كنت أتناول العشاء على مائدة رئيس الجمهورية»!. عندئذ أطلقوا سراحه على الفور. وقام من كانوا في مركز الشرطة بجمع مبلغ له على سبيل الإعانة. وهو شيء نادر في تاريخ الشرطة التي ينتظر منها المرء اعتيادياً أن تقبض من الجمهور لا أن تعطي الجمهور.
لا بد من أن عصر جول كريفي كان أيضاً عرساً من أعراس الفن الكاريكاتيري، فقد كان الرجل قصير القامة، منتفخ البطن، وذا لحية بيضاء ذات هيئة خاصة، فولع الفنانون برسمه والتفنن في تجاعيد وجهه.
كذا كانت الحال بالنسبة لزوجته الريفية التي لم تقلّ عنه شيئاً في البساطة وطيبة القلب. ولكن يظهر أنها كانت السيدة الآمرة في بيتها، على الأقل بالنسبة لزوجها. ردد الظرفاء في المقاهي الباريسية هذه الحكاية عنها: أثناء زيارة أمير ويلز، ولي العهد البريطاني، العاصمة الفرنسية قالوا إن الرئيس الفرنسي استضاف الأمير في قصر الإليزيه. وعندما انتهت الزيارة وهمّ الأمير بالانصراف، التفتت مدام كريفي وقالت لزوجها رئيس الجمهورية: «جول، رافق هذا الرجل إلى الباب»!.
نعم، تمتع الفرنسيون برئاسته وتقليعاته، وكان المفروض أن يستمر لمدة أطول لولا المطبّ الذي أوقعه فيه صهره؛ دانيال ويلسون... كان كريفي قد أغدق رعايته عليه ومكّنه من دخول «الجمعية الوطنية». بيد أن ويلسون هذا لم يكتفِ بذلك؛ بل راح يستغل مركزه وعلاقته برئيس الجمهورية في بيع الأوسمة لكل من هبّ ودبّ. انتشرت الفضيحة وشاعت بين الأوساط العامة باسم «فضيحة الأوسمة». ولم يجد كريفي، الذي أعيد انتخابه لسبع سنوات جديدة، غير أن يقدم استقالته، فشاع القول بين الناس: «ما أسوأ أن يكون للإنسان صهر»!.
الشرق الاوسط