ماذا جرى لنا ؟ لماذا أصبحنا بهذا العنف ؟ ولماذا انتشرت المشاجرات الدامية في مدارسنا وطرقاتنا ؟ وهل أصبح العنف وسيلة بعضنا الوحيدة لحسم الجدل وإنهاء الخلاف حول أي قضية.
ففي الأيام الأخيرة فقط ، إشتبك طالبان في شجار عنيف داخل مدرسة محترمة بينما كان طالب آخر يصور المشهد بتلذذ غريب دون أن يفكر في فض الخلاف أو التدخل لحسمه ، بينما إنهال مسؤولو إحدى الحافلات على مواطن ضربا وحطموا مركبته إثر خلاف مروري إضافة إلى مايقال عن قيام أحدهم بإستغلال موقعه لترويع أحد جيرانه من أصحاب الأعمال وترويعه بشكل غير مقبول.
كما أسعف أمس الأول موظف في أحد الأسواق التجارية إثر تعرضه للطعن من قبل زميل له في العمل.
هذا ماتم رصده خلال أيام فقط ، أما إذا عدنا بالذاكرة إلى ماقبل ذلك بفترة أطول فسنعيد إلى الأذهان حوادث أكثر ضراوة وبشاعة ومنها حوادث الإعتداء على مستثمرين والتي وجدت الحكومة نفسها مضطرة لإتخاذ إجراءات وتخصيص فرق لحماية هذه الفئة من ضيوف الأردن من رجال الأعمال العرب والأجانب.
ولن يستعصي على أي مستخدم للطرقات في شوارعنا وأحيائنا المختلفة ملاحظة وإدراك حجم الإحتقان الموجود لدى البعض والذي يتجلى بطريقة قيادة السيارة بشكل عدائي مستفز حيث لم يعد الأمر مقصورا على عصا موجودة أسفل بعض مقاعد السائقين بل وصل الأمر إلى حد قيام أحدهم بالإعتداء على سائق سيارة أجرة مستخدما سيفا كان قد خبأه في الصندوق الخلفي لسيارته !!
لقد اتخذت الإجراءات المطلوبة من حيث إنزال العقوبة في كثير من الإعتداءت السالف ذكرها ، ولكن هذا هو الجزء الطافي من جبل الجليد ، والأهم من معاقبة مرتكبي هذه الإعتداءات هو التوقف مليا عند الأساب والدوافع التي أدت إلى انتشار هذه العدوانية ؟ وهل نحن أمام ظاهرة جديدة أم أن ظاهرة موجودة أخذت منحى حادا خلال الفترة الماضية وهي مرشحة للتفاقم في قادم الأسابيع والشهور؟
صحيح أن ماتسمى بظاهرة « التنمر « أو العدوانية بين الطلبة التي تأخذ شكل إعتداء الأقوى على الأضعف موجودة في كل دول العالم ، ولكننا كنا نعتقد أن منظومتنا القيمية يمكن أن تقينا من إنتشار هذه الظاهرة في مدارسنا ، وقد ثبت أن هذا الإعتقاد كان ساذجا واننا أمام واقع جديد يأخذ فيه الطلاب في بعض مدارسنا أسوأ مافي مدارس الغرب من ممارسات.
ويمكن القول أيضا أن الأوضاع الإقتصادية الصعبة هي التي تضغط على أعصاب الناس وتخرجهم عن طورهم ، ولكن الفقراء هم أكرم الناس وأكثرهم تعففا وخلقا ، ولم يكن الفقر أبدا مبررا للجريمة او للخروج على المجتمع بهذا الشكل العنيف.
ومع هذا فقد يكون انتقال البعض من حال إقتصادي مريح إلى وضع آخر يتسم بالصعوبة خلال فترة قصيرة هو السبب ، حيث لم يعد بإمكان هولاء التكيف مع واقعهم الجديد فخرجوا على الناس معلنين غضبهم وشاهرين إحباطهم ومعبرين عن كل ذلك بالعنف والعدوانية. وقد تحدث كثيرون عما تعرضت له الطبقة الوسطى من اختلالات في الفترة الماضية.
أما السؤال الأهم فهو: هل حدثت إزاحة ملموسة في منظومتنا القيمية لم يلتفت إليها المعنيون بسب ثورة الإتصالات الرقمية والتي أضعفت من تأثير الأسرة والمجتمع في تشكيل منظومة القيم لصالح مايتلقاه المواطن بشكل مباشر من وسائل التواصل الإجتماعي والأفلام وهذا الإنفتاح اللامنضبط على الآخر؟
إن المعالجة العقابية لهذه الأحداث ضرورية ومطلوبة ، ولكن المعالجة الأهم تبقى منوطة بالجهات المعنية بدراسة هذه الظواهر الإجتماعية والخوض في أسبابها وخلفياتها ، وإتخاذ مايلزم من أسباب وإجراءات للحيلولة دون تفاقمها أو إنفلاتها من عقالها... فهل نفعل قبل فوات الأوان إذ لاينفع الندم بعد زلة القدم ؟!
الرأي