في ضرورة تحويل مِيناء العقبة إلى ميناءٍ مِحوري وأكثر فعالية وحيوية !
الدكتور قيس علي محافظة
27-02-2018 07:48 PM
تُعد الموانئ البحرية الشريان الاقتصادي الرئيسي للدول إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنَّ ما يزيد عن 80% من البضائع والمواد المختلفة في العالم تُنقل بحراً. وتختلف الموانئ في العالم بحسب حجمها وإمكانياتها وتجهيزاتها وعمق أرصفتها. فالموانئ التقليدية ضمن مسمّاها هي لتحميل وتفريغ البضائع والمواد المختلفة لكنها لا تواكب التطورات اللوجستية الحديثة لتلك المهمات.
أما الموانئ الطبيعية كميناء العقبة وإنْ حقَّقت شيئاً من التطور اللوجستي، إلا أنها لم تصل بعد إلى مرحلة تستحق أن يُطلق عليها موانئ محورية حيوية وفعّالة. فالموانئ المحورية هي التي تستطيع أن تستقبل السفن العملاقة، التي تحمل عادةً أكثر من 12 ألف حاوية ومنها ما يحمل حالياً 19 ألف حاوية.
وتكون هذه الموانئ مجهزة بأرصفة حديثة وبتقنيات عالميةٍ متطورةٍ لتؤدي عملها عند استقبال خطوط الملاحة المنتظمة بدقة وإتقان ويُسْرٍ. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الموانئ تتطلب تطويراً لوجستياً لنقل البضائع براً بشكل سريع وبتكاليف قليلة حتى تُصبح موزعاً رئيسياً للبضائع داخل الدولة والدول المجاورة.
وجديرٌ بالذكر، أن الموانئ المحورية المتطورة (Hub Ports) أو ما تسمى بالموانئ الذكية (Smart Ports) لا تعتمد فقط على توسعة حجم الميناء وزيادة إمكانياته وتجهيزاته وعمق أرصفته لتحميل وتفريغ البضائع المتدفقة، إنما تعتمد أيضاً على تطوير الأمور اللوجستية اللازمة من أجل تخفيض التكاليف وأخص هنا التكاليف اللوجستية على البضائع والتي تنعكس بالنهاية على تخفيض سعر السلع التي يتحملها المستهلك.
والمقصود بالتكاليف اللوجستية للسلع هو إدارة تدفق البضائع من منطقة الإنتاج إلى منطقة السوق الاستهلاكي وذلك بتحديد تكلفة نقلها وجردها وتخزينها وتغليفها.
ففي الدول المتقدمة تكون التكاليف اللوجستية على السلع بواقع 8% – 11% من قيمة السلعة بينما نجدها في الدول النامية مثل الأردن بواقع 30% - 40% من قيمة السلعة، وهذا ينعكس على زيادة الأعباء على الوضع الاقتصادي وبالتالي على المواطنين والمستثمرين.
ومن الملاحظ أن ميناء العقبة قد تطور بحجمه في الوقت الحاضر بفضل توجيهات جلالة الملك حفظه الله حيث تمَّ إنشاء اثنتين وثلاثين محطة ومن المتوقع أن تصل إلى أربعين محطة في عام ٢٠٢٢، ومن أهمها محطة ميناء الحاويات وقرية العقبة اللوجستية. وعلى الرغم من التطوير وما تمَّ من إنجازات فإن الميناء لم يصل بعد إلى المستوى الذي نطمح إليه بأن يُصبح من الموانئ المحورية الحيوية الفعّالة.
فمهما كَبُرَ حجم الميناء وصار بإمكانه استقبال السفن العملاقة والملاحة البحرية المنتظمة فإنه لابد في الوقت نفسه من تطوير الأمور اللوجستية اللازمة من حوله ليكون قادراً أيضاً على توزيع البضائع المتدفقة داخل المملكة وللدول المجاورة وبالذات العراق وسوريا والسعودية.
إن إنشاء سكة حديد سريعة لنقل البضائع وسائر المواد بالإضافة إلى الأشخاص، تبدأ من العقبة وتنتهي بالحدود الشمالية يشكل الأساس لجعل ميناء العقبة ميناءً محورياً حيوياً وفعّالاً.
والسكة الحديدية هذه لابد أن تربط ميناء العقبة مع حدود الأردن العراقية والسورية بالإضافة إلى المدن الرئيسية داخل حدود المملكة، خاصةً وأن الأردن في الوقت الحالي بصدد إنشاء مطار عسكري تجاري في المفرق ليكون مركزاً لوجستياً رئيسياً لسد حاجات العراق وسوريا من البضائع واللوازم المختلفة.
وبالتالي فإنه ومهما بلغ حجم هذا المطار واتساع مساحته فإنه يحتاج أيضاً إلى تطوير الأمور اللوجستية من حوله. كما أنه من الضروري إنشاء سكة حديد سريعة لتصل ميناء العقبة بمعبر الكرامة "طريبيل" على الحدود العراقية وكل من معبر الرمثا "درعا" ومعبر جابر "نصيب" على الحدود السورية.
إن إنشاء سكة حديد سريعة في الأردن أمر بالغ الأهمية، بل حتمي إذا ما أردنا جعل ميناء العقبة ميناءً محورياً وفعّالاً وذلك لإنقاذ الاقتصاد الأردني، حيث أن حجم الصادرات الأردنية الحالي للعراق وسوريا قد انخفض إلى أكثر من 35% مما كان عليه قبل أحداث العراق وسوريا الأخيرة.
ولابد من العمل واتخاذ الإجراءات لوضع المشروع قيد التنفيذ دون تأجيلٍ لأن مُحصِّلته جعل الأردن مركزاً محورياً لنقل البضائع من وإلى العراق وسوريا والسعودية وغيرها من الدول المجاورة.
وأحْسَبُ أن التجربة السنغافورية تشكل النموذج الأمثل الذي يمكن أن يحتذى به حيث نرى حالياً أن ميناء سنغافورة يُعدُّ أكثر الموانئ المحورية ازدحاما في العالم من حيث إجمالي حمولات الشحن والشحن بالعبور، كما ويرتبط بأكثر من ستمائة ميناء في مائة وعشرين دولة.
المحامي الدكتور قيس علي محافظة
qais@gedaralaw.com