لا أشكو أنا، ولكن هو جرح في اليد، يؤلمك وتغمض عينيك وتقول؛ لا بأس، فثمّة وجع أكبر في بلدنا.. لماذا هذا الزهد في أبناء الدولة ، الأبناء الذين أحبوها وعشقوا تفاصيلها وحملوا ذاك الحب النقيّ كالينابيع الصافية التي لم تلّوث ، حملوه في ضلوعهم وذهبوا آخر الدنيا ولم يطعنوا في خاصرة الوطن يوما ، لم يتبرؤوا من الوطن أمام الإعلام الماجور أو على أعمدة الصحافة التي تدفع مالا وثيرا لكل قلم حاقد ..
أبناء الدولة الغيارى أحفاد العسكر من تعاهدوا على " الدم والمصحف " لم يخذلوا الدولة يوما ، منذ "ثورة البلقاء" وحتى حمّى ثورات الربيع ..
كانوا يروا أن الدولة أكبر من كل الخلافات ، وأكبر من كل المناصب .
في الربيع العربي اجتمع الآلاف في سهول " بلعما" في حضرة الملك وولي العهد وقالوا كلمتهم : " الشعب يريد أبو حسين" .. راهنوا على ولائنا وقالوا ربما يتغيرون في ظل الشعارات ، وفي ظل من أراد لوي ذراع الدولة، ولكن الناس انحازوا إلى بدويتهم ونقائهم وتمسكوا بواسط البيت ، والذين لن ولم يقبلوا أن يمسّ .. وماذا كان المقابل يا ترى ، وكنا نرى المسيرات ونسمع الشعارات كيف كانت تهزّ وسط عمان وبقية المدن كل جمعة .
لم يقبلوا أن يكون الوطن موضع ابتزاز ، رغم أن مناطقهم الأكثر تهميشا ، والأقل خدمة ، والأكثر فقرا رغم كثرة المصانع والمشاريع والجامعات ، والأكثر تعليما رغم ضيق يد أهلنا ، ولكنه تعفف البدوي وأدبه رغم حاجته ، في لغة لا تفهمها الحكومات إلا الاستجابة لمن يرفع صوته ، ولمن يغلق شارعا ، أو من يحرّض ضدها أو ضد رموزها .
نحن فقراء ، في التنمية والمناصب ، في زهد الدولة بنا ، في زهدها بشاعر الأردن حبيب الزيودي الذي مات مقهورا منفيا بلا وظيفة في دارته في العالوك ، وكان قادرا أن يكتب ويشتم ويهجو ولكن أبت فروسيته ذلك ، وظل يكتب ويغني لعمان وللفرسان وللجيش وللشهداء ولقهوة أهله وللوطن الذي خذله حيّا وميّتا .
تأتي المناصب في بلادنا وتوزع الغنائم في كل موسم ، وتزهد الدولة بأبنائها ، فالساكتون لا حصص لهم ، ولا جوائز ترضية ، والتوزيع بلا أسس ، ولا تعرف لم أتى فلان ولم ذهب ، والكفاءة في عرف التوزير ليس شرطا عندما تفرض المحاصصة أو العلاقات شكل الحكومات .
هذي بلادنا نحبها ونعشقها بلا منّة ، ونفديها بالمهج والأرواح إن نادتنا ، وتشهد لنا القدس وجاراتها ، وتشهد لنا الميادين وساحات الكتائب ، وسنظل نحبها وندافع عنها ولكن في الحلق غصّة وفي الفم ماء والناس ملّت السكوت