ليتنا نستطيع تفكيك الأزمة الاقتصادية التي يمر بها بلدنا حتى نتمكن من رؤية الصورة بشكل أوضح وأفضل، فالصورة التي تبدو قاتمة إلى حد ما، نتيجة المعالجة القاسية والمؤلمة لتلك الأزمة، قد تحرمنا من رؤية إضاءات هنا وهناك، تدلنا على سبل تقودنا نحو انفراجات حقيقية، حين نرى الصورة عن قرب.
كانت المناسبة ندوة بعنوان "الطلبة الوافدون – نحو آفاق أرحب" أقيمت في جامعة الشرق الأوسط بمشاركة ملحقين ثقافيين من سفارات عدد من الدول العربية الشقيقة، وكانت الدلائل تشير إلى أن واحدا وأربعين ألف طالب وافد يتلقون علومهم الجامعية في الأردن، أغلبهم يدرسون في الجامعات الخاصة، ويساهمون في حوالي 2.5 بالمئة من مجمل الناتج المحلي للمملكة، وفي نية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مضاعفة النسبة حتى عام 2020، بعد أن شرعت الوزارة بإنشاء بنية تحتية، من خلال مديرية متخصصة بشؤون الطلبة الوافدين تعمل على زيادة الاستقطاب، ونافذة الخدمات الموحدة لهؤلاء الطلبة.
الملفت في هذا الشأن، هو ما ركز عليه الأستاذ الدكتور عادل الطويسي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي انعقدت الندوة تحت رعايته، وبحضوره، وخبرته الشخصية من تأكيد على البعد الأهم لرغبة الطلبة العرب الالتحاق بالجامعات الأردنية لاعتبارات تتصل بالبيئة الاجتماعية والأكاديمية من ناحية، وباطمئنان دولهم وعائلاتهم لإقامة أبنائهم في الأردن الآمن والمستقر، والذي يستند في سعيه لتطوير التعليم بجميع مراحله إلى قرار سياسي على أعلى مستوى.
وفي الاتجاه نفسه، جاءت مداخلة الأستاذ الدكتور بشير الزعبي رئيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها المخضرم لترينا المستوى الذي وصل إليه الأردن من مكانة أكاديمية على المستوى الدولي، والدليل على ذلك هو قدرة الجامعات الأردنية على استضافة برامج من جامعات عالمية مرموقة، الأمر الذي يوسع الآفاق في اتجاه استقطاب مزيد من الطلبة العرب، في وقت تعمل فيه جميع الأطراف ذات العلاقة على تجويد مخرجات التعليم العالي، وتطوير البرامج وفقا للمعايير الدولية.
تلك هي السمعة الحقيقية للتعليم الجامعي الأردني على المستوى الإقليمي والدولي، وهكذا تبدو الصورة عن قرب، بينما البعض يراها بصورة مغايرة ظنا منه بأن نقاشنا الدائم لتطوير برامج التعليم وتجويدها وربطها بمتطلبات التنمية وسوق العمل وحوكمة الجامعات وحتى اختلاف وجهات النظر بشأن قانون الجامعات وتقييمها يدل على وجود أزمة، ومشاكل مستعصية مع أن كل ذلك في الحقيقة ما هو إلا نقاش شفاف، هدفه الذهاب إلى مستويات أعلى وأرقى من التعليم، الذي ندرك جميعا أنه ليس مجرد قطاع من قطاعات الدولة، بل إنه قاعدة البناء للقوى البشرية في بلد لا يملك غيرها كي يحقق نهضته الشاملة!
وحتى أشقاءنا في الدول العربية التي كان النفط يشكل قاعدة النهوض عندها، باتت تعرف اليوم أن القيمة الحقيقية تكمن في تعليم وتدريب وتأهيل قواها البشرية، وليس أفضل من الأردن في هذا المجال.