على إثر التعديل السادس على حكومة الدكتور هاني الملقي، استخدم كثير من الكتّاب والمحللين تعبير "المطبخ الاقتصادي" لوصف الفريق الذي يضم مجموعة من الوزراء بقيادة نائب رئيس الوزراء معالي الدكتور جعفر حسان، في دلالة على أن هؤلاء جميعا سيعكفون على معالجة الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها بلدنا.
تعبير من هذا النوع يأخذنا إلى استحضار المطبخ بصورته التي نعرفها، وما يشتمل عليه من أدوات ومكونات لإعداد الطعام، وإذا كانت الصورة التقريبية تناسب الموقف فهل سيقوم الفريق بتنظيف المكونات وغسلها وتقشيرها واختيار "الحلة المناسبة"، والأهم من ذلك ما هي الطبخة، وهل سيتسنى للجميع أخذ نصيبهم منها؟
لو كنا نواجه الحقائق بالفعل لما ترددنا في تشكيل "فريق إدارة الأزمة الاقتصادية"، في هذه الحالة سيتغير منهج التفكير كليا، بدءا من الاعتراف بالأزمة على أنها ليست أزمة عابرة، لأنها ليست مرتبطة بالوضع الإقليمي وحده، بل بعوامل محلية أيضا، ناجمة عن فشل السياسات الحكومية، واختلالات البنية التحتية للاقتصاد الوطني، وتهميش القطاع الخاص، وعدم الاستفادة من الميزة التنافسية، وترهل الإدارة العامة وغير ذلك كثير مما يعرفه يقينا فريق "المطبخ الاقتصادي"!
بعيدا عن الأسماء، فإن رئيس وأعضاء الفريق على دراية وخبرة وكفاءة لفهم طبيعة المهمة الموكولة إليهم، ولكن واجب النصيحة يدفعني إلى القول بأن التركيز على إدارة العلاقة مع صندوق النقد الدولي، وإيجاد المداخل والمخارج البديلة التي تخفف ظاهريا من حدة الأزمة لن يكون اتجاها سليما، والمطلوب من وجهة نظري هو إعادة هندسة اقتصادنا الوطني من قواعده، وإقامة بنية تحتية جديدة تقوم على الاستغلال الأمثل لثرواتنا الطبيعية – على قلتها – ولقوانا البشرية، وفقا لاستراتيجية صارمة في محاورها وخططها ونتائجها.
نحن نعرف أسباب أزمتنا الاقتصادية جيدا، ولكننا نعرف أيضا أنه من دون مشاركة حقيقية للأطراف جميعها في صياغة تلك الاستراتيجية، وتحمل المسؤولية الثقيلة المشتركة فلن تنضج الطبخة أبدا!