اراء متعددة و قلب واحد
المحامي عبد اللطيف العواملة
26-02-2018 08:43 AM
عندما وصل المغفور له بإذن الله الملك المؤسس الى عمان قادما من معان وقف فقال: "اعلموا ان ما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل، فانا أدرك ان الواجب علي، ولو كان لي سبعون نفسا لبذلتها في سبيل الامة، وما عددت نفسي فعلت شيئا، كونوا على ثقة باننا نبذل النفوس والاموال في سبيل الوطن". و قد وهب حياته - جعل الله مثواه الجنة - فداء للوطن.
تلك كلمات في الصميم تعبر عن مكنون الاشراف و الوطنية الاردنية، نستذكرها و نحن نمر اليوم بمنعطف اخر من مسيرة الوطن و ليس هو باقساها و لا باقلها صعوبة. فالوطن و قد تكالبت عليه المصالح الدولية و الاقليمية و تعرض لضغوطات متجددة، خبر مثلها الكثير على مدى ما يقارب المئة عام من تاريخه الحديث، يصمد مرة اخرى بينما يخوض عباب بحر هائج بقبطان ورث الحكمة و العزم و الانتماء من اباء و اجداد ما لانوا و لا هانوا.
الاردن ارض و شعب و تاريخ و قيادة و جغرافيا و ثقافة، و كل ذلك مما يفخر به الاردنيون على مر اجيالهم. و لكن الاردن اكثر من ذلك و خصوصاً في هذه المرحلة العصيبة اقتصادياً. للأردن رسالة قادرة على ان تقود المنطقة فقد اثبت التاريخ الحديث بالوقائع التي من حولنا ميزتها و صحتها، و استدامتها. الضمير الجمعي للشعب الاردني واضح و نقي، فهو مجبول على الحق و العدل. نبراس الاردنيين حب الخير للجميع و الرغبة في البناء و العمل. هذا ما توارثناه عن اجدادنا. هذا الوجدان الواحد هو ما يجمع الاردنيين في السراء و الضراء و هو الخميرة الوطنية التي تواصل العطاء، فهو السر و هو الكنز الاردني الحقيقي الذي نتفرد به.
نعم، يمر وطننا بمحنة اقتصادية ليست بالبسيطة يعاني بسببها الكثيرون منا، و معظمنا قابض على الجمر لا تسمع له انيناً. و هل عاش اباؤنا حياة رغيدة؟ الم يعش بين ظهرانيهم فاسدون و متملقون؟ هل كانت حياتهم ملؤها الراحة و الامان الجسدي و النفسي و الوظيفي؟ لقد كان لديهم ايمان عميق بوطنهم و ملوكهم مما حفزهم لبناء الاردن من غير الالتفات للهفوات و الزلات. كان لديهم بعد النظر و القدرة الهائلة على التضحية و العطاء في سبيل اجيال المستقبل.
لقد بنى الرعيل الاول و من تبعهم الاردن. بنوا جيشه و مؤسساته و اجهزة امنه و ديوانه الملكي و وزارتي داخليته و خارجيته و صانوا حدوده و كرامته و عزته و اصبحوا مثار احترام (و ايضا حسد) من حوله من الدول. نحن ورثة هؤلاء الرجال و لم يأت اليوم الذي نقول فيه انه لا خطوط حمراء او ان لا سقف للشعارات! بل هناك خط احمر اسمه الوطن و سقفه حكم الهاشميين. هذه ضوابط اساسية جبل عليها آباؤنا و اجدادنا، و من غيرها فلا ماض لنا و لا بوصلة للمستقبل.
عقيدة الاردن منذ بداية تكوينه مؤسسة على قوة الحق لا حق القوة فملوكه حكماء شجعان و عادلين تاريخهم ناصع و اياديهم بيضاء. مر الاردن و رجاله على مر التاريخ بمحن و مصاعب جمة هدد بعضها سيادته. و لكنه دائما بوعي شعبه و يقظة مؤسساته اقوى من ذلك بكثير. مهما كان لدينا من اراء متعددة فالقلب واحد لا يقسم و هو على الوعد و العهد.
للأردن رسالة يمكن لإقليمه الاستفادة منها، فقد اثبت نموذجنا صلابته و عمق جذوره. فالأردن كان دوماً و ما زال كبيراً، اكبر من الظروف و المؤامرات و النكسات و الجراح و العوارض. الاردن كبير بقيادته و برجاله، بمؤسساته و بجيشه و اجهزته الامنية. فبقيمه و مبادئه سيتجاوز ما يحدث داخله و من حوله و ستمضي مسيرة التنمية، فالاردن كان و سيبقى رقم صعب لا يقبل القسمة. كل الشعب الاردني طيب و مؤمن بوطنه بمن فيهم من يئن اليوم بصوت عال و غير منضبط احيانا. لا خلاف على الوطن فهو يعلو و لا يعلى عليه.
اي من بيوتنا ليس فيه او منه اسد خدم و يخدم في ساحات الوطن المتعددة لا يطلب غير الكرامة؟ الاردن بشعبه و نظامه لنا الاب و الام و الولد فالروح فداه. و ليس بالخبز يحيا الانسان.