بعد نحو مئة عامٍ من العمل في بناء صرح الدولة الأردنية التي تشكلت في سياقٍ يختلف عن تشكل الدول المجاورة، يحق لنا القول: إن الأردنيين باتوا يمتلكون ملامح شخصيتهم الوطنية، تلك الشخصية التي تماهت سماتها وتفاعلت مع محدداتٍ عدة.
فالشخصية الأردنية تمتلك ذاكرةً بدوية زراعية، عفوية في سلوكها، تلقائية في مفرداتها، وقيمها مستلة من منظومةٍ اختلطت بها شيم العرب وبداوتهم.
والأردني في علاقته مع الدولة، أثر في شكلها وتشكلها، وأثرت به الدولة أيضاً، إذ رفد البيروقراطية والجندية مؤمناً بمبادئها التي تكرست من روح الحلم العربي بالوحدة، والتعالي عن أي إقليمية، وكثيراً ما تحفل وثائقنا وصحفنا القديمة، بعناوين الوحدة ، وحلم سوريا الكبرى وتحرير فلسطين.
هذا على صعيد بعض من الوجدان، أما في الأنماط، فقد اتكأ الأردني على الدولة كحاضنة في مفاهيم كثيرة سواء بالعمل أم بالتعليم أم بالصحة أم بالخدمات، وبتشاركية أتاحت للدولة أن تكون بحقٍ على مستوى المنطقة " دولة الشعب" ونخبويتها متأتية من مقدرتها على تجديدها على الدوام.
والأردن كحالة مستقرة تميز بحكمٍ عربي ذو إجماع بشرعيته ومشروعيته، والمتتبع للتاريخ السياسي للحركة الوطنية، يلمس أنه أغلب ما كان يجري في ثناياها، هو حوارات أكثر من أنها معارضات، إن ما قورنت بتجارب سياسية مجاورة.
فالأردن أتاح فسحة الحوار وتكريسه قبل أن تأتي شعارات الربيع العربي، وتحمل عناوين ليست كلها بريئة في مراميها.
وبالعودة إلى الشخصية الأردنية، وسماتها ، خاصة وأن هذا الموضوع ما زال بكراً في البحث، فإنها شخصية لم تنتبها تشوهات شابت دولاً مجاورة ، مرت بظروف وتحولات استلتها من سياقها.
أي أن الشخصية الأردنية أتيح لها أن تتشكل بهدوء بفضل الحكم الهاشمي، ولم تتعرض لتشوهات القمع والتعذيب أو الاحتلال، ومخزونها القيمي إثر بيئتها الجغرافية منحها تميزاً أنها باتت اليوم الأكثر نضجاً ووعياً، وتتصدر مواقفها ما تأخر عنه كثيرون.
وأحياناً وأنت تتأمل المشهد الأردني، تجد أحياناً تعرجات تحاول إخراج الأردني من سياقه ولونه ، وشكله، ولكنها ارتدادات لظروفٍ أصعب من أن توصف ، فبلد محاصر من حروب وضواغط سياسية واقتصادية من الطبيعي أن يرشح عنه بعض الخروج عن سياقات التشكل .. !
وما زالت الثقة كبيرة بمقدرة الأردن على إعادة إنتاج تجربته وبوعيٍ وانبعاث كبيرٍ، فألم ينبعث الأردن مراتٍ عدة على مر تاريخه وبشكل أقوى.. بفضل ملامح شخصية الأردني وقيمه الوفية.