على الفيس بوك تنشر صورة, لطفل ربما في العاشرة من عمره.. يتكئ على طرف (مغسلة) الحمام , وقدا بدا من دون شعر بفعل جرعات الكيماوي ويعاني من الالام حادة ويبكي.. التعليق على الصورة يقول إن الأم هي من نشرت الصورة, وكتبت في التعليق أنه يخشى من أن يمر عيد ميلاده, ويكون قد فارق الحياة..
كلما فتحت الفيس بوك وشاهدت هذه الصورة يتداولها الناس, بكيت حرقة وغضبا.. السرطان اختطف أعز الناس على قلبي أبي وأمي, اختطفهما قبل أن يصلوا الستين من العمر.. وقد قاسيت سنينا عجافا بين الدمع ومركز الحسين للسرطان, وبين الأمل.. والخذلان, وبين أم تخفي عنك أوجاعها وتطلق ابتسامة خجولة كي لاتشعرك بتعبها ومعرفتك في داخلك أن الألم يجتاحها من وريدها إلى وريدها.
أنا لا أعرف اسم هذا الطفل, ولكن هدتني صورته.. وكلما فتحت صفحتي على الفيس بوك تمنيت أن لا أراه.. أنت لست بطفل أنت مقاتل شرس , أنت معركتك أكبر من معارك حجب الثقة.. أنت معركتك أيها الفتي أقسى من المعارك التي يستعمل فيها القصف والنابالم .. فالضحايا هناك يغادرون الحياة في لحظة واحدة حينما تنفجر القذيفة ويداهمهم الموت... أنت تهزم الموت كل يوم ألف مرة.
أنت أشرس من كتيبة كاملة دربت وجهزت لمقاومة الإرهاب.. هم مددجون بالاسلحة, ويجيدون التعامل مع العدو.. أنت عدوك الخلايا التي تمردت على جسدك, وعدوك الحرارة الليلية.. وفقدان الشهية عدوك في دمك في لحمك.. وتقاتله يا هذا الفدائي العظيم ..
أنت أكبر من (جيفارا)... أكبر من (ماوتسي تونغ )... حتى (تروتسكي) أنت أهم منه, فالتنظير مجرد لغة يبتكرها العقل.. والأيدولوجيا نظرية ينتجها العقل.. أتدري أيها الصبي لماذا أنت أعظم منهم؟.. لأن نظريتك مبنية على هزيمة الألم.. والأيدولوجيا التي تحملها.. تعلم الناس من صبرك.. من كربلائيتك من بسالتك.. كيف تنتج نهجا أمميا في هزيمة السرطان.. فالسرطان أقسى من الإمبريالية, أوسخ من الطائفية.. أقذر من المؤامرة...
أنت أيها الفتى كأنك جئت من كربلاء, وهزمت كل السيوف هناك وإن رفعت رايات الحزن إلا أن الناس ما زالت تحج لصبرك.. ولبسالتك ولنهجك في القتال.. والحزن حتى الحزن صار تصوفا فيك.
تذبحني صورتك يا هذا الفتي, وأبكي كلما رأيتك.. لو أن دمي يسعف بعضا من الخلايا فيك لأعطيتك.. لو أن دمعي يبلل ما نشف من دمعك في المحاجر لسكبت فيهما بحرا من الدمع, لو أن الشواطئ من أوجاع لجعلتك ترسو في قلبي ,وأخذت منك الوجع..
ولكني يا حبيبي.. ودمعي ودمي, لا أملك سيفا أقاتل به السرطان وترسا أرد به عنك.. بعضا من وجع الليالي..
أرجوك قل لأمك أن لاتنشر لك صورا بعد اليوم , فقد اجتاحتني كربلاء.. أجتاحتني من أول النهار ومرورا بالحصار.. وأنت مثلها كأنك تحاصرني, وكأن ألمك مجرد سيف أموي حاد النصل يمرر في الخاصرة...
لا يوجد كلام يبلغ مستوى حزني.. ولكني أعرف أني رجل بكل مامر علي وما سيمر.. لن أبلغ كبرياء وأنفة وقوة أصبع من أصابع كفك النحيلة والجميلة والعظيمة..
وسأترك للدمع وحده أن يختم مقالي فيه, فالدمع أبلغ خطاب.
الرأي