تدوين موجز يعيق الدراسات المنهجية
23-02-2018 03:06 PM
عمون - يذكر عدد من المصنِّفين المعاصرين أنّ المؤرّخين القدماء لم يولوا الحدث التاريخي الكبير الخاص بالاحتلال البرتغالي لللمنطقة اهتماماً كبيراً إلا في التركيز على زمن التحرر من نيرهم في منطقتنا في عمان وفي الإمارات..
وكذا في زمن غارات البرتغاليين على موانئ اليمن الكبرى بالنّسبة لليمنيين. كما أنّ هؤلاء الكتّاب لم يشيروا إلى تغيّر أحوال المجتمع في المنطقة وتحوّل أفرادها من القبول باحتلال البرتغاليين للبلد إلى رغبة عامّة وثّابة في التحرير والتخلّص من نير الحكم البرتغالي الجاثم على الصدور والمتحكّم في مصائر النّاس، والمسيّر لأحكام الإبحار والملاحة.
والمسيطر على كافّة مقدّرات الاقتصاد، ومن هذا المنطلق فإنّ إيراد أهم التحوّلات في المجتمع يعدّ أهم ملامح المنهجيّة في الكتابة التاريخيّة. كما أنّ المقارنة بما ورد من معلومات في المصادر اليمنيّة حول وصول البرتغاليين إلى سواحل شبه الجزيرة العربية مع ما ورد من مادّة تاريخيّة في المصادر الكثيرة للدارسين المتخصصين من منطقتنا في الإمارات وعُمان تعرّفنا بطبيعة الكتابة فيها وفي الجانب اليمني الجانبين العماني واليمني.
1651
فعن الوجود البرتغالي في المصادر المتخصصة للدارسين من أبناء المنطقة في عمان والإمارات، كان من المفترض أن تقدّم لنا هذه المصادر معلومات وافية ومتكاملة عن الوجود البرتغالي في الإقليم منذ مجيئهم وإلى زمان طردهم وإبعادهم والقضاء على نفوذهم.
وهذا الوجود امتدّ من عام 1507 إلى 1650 م/1651م، وهي فترة طويلة، جديرة بالاهتمام من قِبل المؤرّخين الإماراتيين والعمانيين المعاصرين للأحداث أو من التالين لهم في العصور اللاحقة، إلا أنّ هذا الجانب يكاد يشهد ضمورا ونسيانا أو على الأقلّ ندرة وشحّاً أو إيجازاً وتلخيصاً.
أما حول منهج كتابة تاريخ الوجود البرتغالي في المنطقة، فيكاد يكون كتاب سيرة الإمام ناصر بن مرشد لعبدالله بن خلفان بن قيصر هو المصدر الرئيس لأحداث التحرير وطرد البرتغاليين.
والمؤلِّف معاصر للإمام ناصر، وعلى الأرجح أنّه انتهى من تأليف كتابه في حياة الإمام، وهو مُؤَرَّخٌ بعصر يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر محرّم سنة 1050 هــ (13 مايو 1640 م).
وممّا يؤيّد كون ابن قيصر مات في حياة الإمام ناصر أنّه لم يدوّن أيّ أحداث من تاريخ توقّقه إلى تاريخ وفاة الإمام. ويكاد يكون هذا المؤلَّف المصدر الوحيد المعاصر المؤرِّخ لعهد الإمام ناصر، وهو ينقل عنه مباشرة. وفي الوقت نفسه فهو لا يذكر رواته بالاسم. كما أنّه لم يذكر أبداً الوثائق التي ينقل عنها.
ولا مصادر الخطب والرسائل، ويمكن الافتراض أنّه كان ينقل من مصدر مكتوب على الأقل فيما يتعلّق بنصوص الرسائل، ومن المحتمل أنّه كان يتلقّى أخبار الحملات العسكريّة من المشاركين فيها، وهذا يعني أنّه شخص مطّلع اطّلاعاً مباشراً لِما يجري في عموم أرجاء المنطقة. وهو في مصنَّفه هذا يقتصر فقط على أخبار التحرير والحملات العسكريّة دون الإشارة إلى كيفيّة قدوم البرتغاليين واحتلالهم للسواحل.
1728
ثمّ اعتمد سرحان بن سعيد الأزكوي (نحو 1140 هـــ/ 1728 م) في كتابه «كشف الغمّة الجامع لأحكام الأمّة» على كتاب ابن قيصر، إذ نقل عنه معلوماته كافّة إلا أنّه قام بثلاثة أمور: الأول: تعديل في بعض روايات ابن قيصر المجوعة، والثاني: الإضافة إليها، والثالث: الحذف منها. ولكنّه لم يشر إلى المصدر، بمعنى أنّه من المؤكّد نقل من مصادر أخرى غير ابن قيصر.
وهذا يدلّ على وجود كتابات أخرى لم تصل إلينا أو لم يتمّ العثور عليها إلى الآن. وتميّز كتاب "كشف الغمّة" بإيراد معلومات حول تحرير مسقط من البرتغاليين على يد الإمام سلطان بن سيف اليعربي عام 1059 هــ/ 1650 م. ومن الملاحظ أنّ الأزكوي قد أخطأ في شأن رأس الخيمة في الإمارات:
جلفار، في نقل معلوماته عن تحريرها، وأشار إلى وجود حصنين في جلفار أحدهما للبرتغاليين، والآخر للفرس..وذكر غربان للبرتغاليين وإطلاقها للمدافع، وورد في الكتاب المطبوع «عربان» وهو خطأ، و«الغربان» هي نوع من السفن. بينما كان ابن قيصر أكثر دقّة منه حين ذكر أنّ هذه الفِرقة هي من النّصارى. وهنا أيضاً ملمح ربما إلى مصدر آخر جعل الأزكوي يرجّح رواية على غيرها، ويتخيّر في النّقل.
ويلي ذلك كتاب "قصص وأخبار جرتْ في عمان" المنسوب لأبي سليمان بن محمّد بن عامر المعولي المتوفّى بعد عام 1783 م. وهذا الكتاب يعتمد بصورة كبيرة على كتاب «كشف الغمّة»، ويضيف معلومات غير موجودة في الكتاب، وهو يتميّز بأخباره عن حروب التحرير في عهد الإمام ناصر بن مرشد.
وهذا يؤكّد ما ذكرناه سابقاً من وجود مصادر أخرى كُتبت بين عهدَي ابن قيصر والأزكوي. وأمّا كتاب «الفتح المبين» لحميد بن رزيق، فهو يتضمّن نقولات من المصادر السابقة ولا يتميّز عنها بشيء، وهو ينقل عن الأزكوي، وتابعه في كلّ شيء تقريباً، إلا فيما يتعلّق ببعض الإضافات، والتفصيل في حصار مسقط في عهد الإمام سلطان بن سيف.
وفي حديث ابن رزيق في كتاب «الصحيفة القحطانيّة» عن فتوحات الإمام ناصر بن مرشد ذكر أنّ صور وقريّات، وما اعتلق عليهما من القرى السّاحليّة فهما يومئذ بيد برتكيس من المحتلين. وكذلك مسقط ومطرح. ومن الإشارات الدّالّة على الوجود البرتغالي في مسقط قبل عهد الإمام ناصر بن مرشد ما أورده ابن رزيق من خلافات وحروب بين الفرق عديدة في أواخر عهد النّباهنة.
فروقات
ومن أمثلة الفروقات بين المصادر، أن ابن رزيق تحدث في «الصحيفة القحطانيّة» عن تحرير الصِّير حين سيّر الإمام ناصر إليها جيشاً بقيادة عليّ بن أحمد، ومعه من بني يعرب المشاهير. وفي «كشف الغمّة» يرد:
جعل عليه عليّ بن أحمد، وعضّده ببني عمّه من آل يعرب. ويبدو أنّ ابن رزيق أكثر عبارة، وسجعاً وإضافات عن الأزكوي. ودوّن ابن رزيق مشيرا إلى تحقّق النّصر على البرتغاليين من قبل اهل جلفار-رأس الخيمة، في الإمارات. ثمّ يعود للحديث عن «حصن جلفار»،.
ويذكر حصناً آخر على ساحل البحر، به حامية من البرتغاليين، وقُبيل الهجوم عليه أتتْ نجدة بقيادة خميس بن مخزوم مع جندٍ من الدّهامشة، ويلمح إلى قيام الأهالي ببناء حصنٍ مقابلٍ للحصن البرتغالي، للمقاومة وتشديد الهجوم. وهنا إشارة يمكن التنبيه عليها، وهي بناء الحصن الجديد، هل الحصن المشيّد من اللّبن والطين أو الحجارة والحصا، وهذا يتطلّب جهداً كبيراً، ووقتاً طويلاً إلا إذا كان المقصود حصن من خشب مهيّأ للهجوم.
وفي حديث ابن رزيق عن تحرير رأس الخيمة من البرتغاليين، يبين أنّ قائد الجيش الذي دخل لتحريرها ترك بعض رجاله فيها ومضى إلى نزوى..ولكنه رجع إليها لاحقا. ويورد المعولي حادثة فتح الصِّير على يدي عليّ بن أحمد الذي حاصر العجم بقيادة ناصر الدين العجمي. وألمح إلى سفن البرتغاليين الراسية في الميناء.
والتي كانت تضرب بمدافعها على الأهالي.. وذكر سيطرة هؤلاء على البرج بعد قتال عنيف، ثمّ ينقل الهجوم على البرتغاليين في دبا دون أن يسمّيها.
ولم يذكر ابن رزيق فتح دبا وتحريرها، بينما أثبته الأزكوي الذي أشار إلى افتتاحها على يدَي جيشٍ به رجال من الدهامش بقيادة خميس بن مخزوم الدّهمشي، وكان في دبا حصن للإفرنج فحوصر وابتني في مقابله حصن آخر.
إضافات
أما عن أحداث فتح مسقط وتحريرها من العمانيين، وما بعد التحرير، فمن إضافات ابن رزيق قوله إنّه بعد وفاة الإمام ناصر نكث البرتغاليون في مسقط العهد وقطعوا الجزية، فغزاهم الإمام سلطان بن سيف، وأشار إلى شدّة الحرب، وانهزام البرتغاليين وهروبهم إلى المراكب، وملاحقة الإمام سيف لهم برّاً وبحراً حتى بلغ أرض الهند.
وذكر ابن رزيق في كتاب «الشّعاع» قيام الإمام سيف بن سلطان بن سيف بمهاجمة البرتغاليين في أعالي البحار، وكلّف واليه على مسقط بإعداد الحملة البحريّة وتزويد السفن بالسلاح والعتاد والعدّة والرِّجال، فهاجمتْ الحملة ممتلكات البرتغاليين في الهند.
ثمّ يتحدّث عن عهد الإمام سيف بن سلطان بن سيف، ويذكر أنّه حارب البرتغاليين، وانتزع منهم ممباسا والجزيرة الخضراء وكلوه وغيرها من بلدان الساحل الشرقيّ لأفريقيا. وهي العبارة نفسها تقريباً منقولة عن الأزكوي.
إشارات
أوّل إشارة موجزة إلى البرتغاليين في المنطقة كانت في أحداث عام 1610. وقد أوردتْ المصادر انتصارات الإمام ناصر بن مرشد على البرتغاليين، لكن دون أن تذكر أيّ تفسير للطريقة التي أتى بها البرتغاليون إلى عمان. وقد ذهب المؤرّخون المعاصرون في تفسير ذلك مذاهب شتّى لا تتفق مع المنهج العملي التاريخي.
96000
من المؤسف أنّ المؤرّخين لم يدوّنوا لنا أخبار الحروب التي خيضت ضدّ البرتغاليين للتحرر منهم بالتفصيل خاصّة ما جرى منها خارج منطقتنا. وممّا لا شكّ فيه فإنّ قيام الإمام الإمام سلطان بن سيف بإخراج البرتغاليين من بلاد العرب يعدّ أحد المفاخر الكبيرة التي يجب الإشارة إليها بالتفصيل وإبرازها بوضوح وجلاء.
وفي حديث ابن رزيق عن عهد الإمام سيف بن سلطان، أنّه حارب المحتلين في جميع الأقطار وعمل مراكب عظيمة في البحر وعظم جيشه وقوّى سلطانه حتى قيل أنّه اجتمع له في الجيش الذي دخل به الهند 96 ألف فارس.
وأنّه أخذ من هؤلاء ممباسا والجزيرة الخضراء وكلوه وغيرها من البلدان التي بالزنج. ويوجز أبو سليمان بن محمّد المعولي حملات الإمام سيف بن سلطان بن سيف عليهم، في جميع الأقطار.. وكيف أخذ بندر ممباسا والجزيرة الخضراء وزنجبار وبته وكلوه ..وغيرها.
فتوحات وانتصارات
جاء فتح مسقط في عُمان عند الأزكوي موجزاً، مع الإشارة إلى محاربة البرتغاليين في أعالي البحار وغزوهم في الهند، والهجوم على ديو. ويورد أبو سليمان بن محمّد المعولي خبر تحرير مسقط على يدي الإمام سلطان بن سيف اليعربي بإيجاز شديد، ويذكر فيه أنّه افتتح مسقط ثمّ لاحق البرتغاليين في البحر والبرّ، واستفتح كثيراً من المناطق التي كانوا يحتلونها، وضرب كثيراً من مراكبهم، وغنم كثيراً من أموالهم.
البيان