من يريد أن يعرف حجم النفاق الغالب على التصريحات الرسمية في الأردن ، عليه أن يخرج من عمّان ، ويتجوّل في المناطق الريفية ، ويلتقي الناس ، ويستمع إلى كلامهم ، وهكذا فسيعرف أنّ الأردن بات يتلخّص بعمّان التي ضاقت بأهلها وبالقادمين إليها . الشوارع في الريف الأردني لم تُجدّد منذ ثلاثين عاماً ، ومع كلّ شتاء تتآكل طبقة وراء طبقة ، حتى صار التجوّل بالسيارات أمراً شبه مستحيل ، والفقر في تلك المناطق يكاد يكون هو الغالب ، فليس هناك من مشروع إستثماري واحد يهدف إلى إستيعاب القوّة العاملة الجاهزة من شباب لا يجدون عملاً.
وتتحوّل القرى في النهار إلى مناطق شبه مهجورة من الرجال ، فهؤلاء يتوجّهون إلى عمّان ، أو أيّ مدينة قريبة للعمل ، وذلك يتطلّب جهداً غير طبيعي ، ولا إنساني ، للوصول إلى الوجهة المقصودة ، وكلّ ذلك في سبيل الحصول على كفاف العيش ، والرغيف المغمّس بالشاي ، وإذا كانت الزراعة هي المصدر الأوّل للرزق ، فمصّ دماء هؤلاء من التجّار عنوان عمل يومي ، فالكيلو الذي يبيعونه بعشرة قروش ، يباع في عمّان بخمسين. وإذا مرض الأبناء ، فلا بدّ من الذهاب إلى المدينة الطبيّة في عمّان ، لأنّ مستشفى المدينة المجاورة لا يتسّع إلاّ للقليلين ، وفي الوقت نفسه فليس هناك تخصصات لكلّ الأمراض ، وهذا ما يتطلب جهداً إضافياً ، ومصاريف غير مقدور عليها ، والنقمة بالتالي هي حديث هؤلاء.
هناك نفاق كبير في حديث سياسيي ومسؤولي عمّان ، وفي الوقت الذي يُقال فيه الكثير عن تنمية الريف الأردني فإنّ الدنيا تتلخّص في نهاية الأمر بعمّان ، ولا مكان غير عمّان ، ونتمنى على هؤلاء التجوّل في الأرياف مع الإنتخابات البلدية لمعرفة حجم الكارثة التي يعيشها الأردنيون غير العمّانيين.