تحية لليمن و عسى أن يعود سعيدا
عدنان الروسان
22-02-2018 01:56 AM
أبو مداوي ، على غير انتظار حدثني يوم أمس سائلا عن صحتي و أحوالي ، و يريد أن يطمئن علي لأنه يقرأ ما أكتب في عمون و يخشى من الاتصال لأنه لا يريد أن يفاجأ بأنني مسجون ، و وجدت عواطفه جياشة و متدفقة نحوي كأنه يريد أن يحضنني عن بعد ، و يقسم أنه يدعو لي كي لا يصيبني مكروه ، كنت على وشك الضحك و البكاء ، البكاء لعواطف هذا الرجل الطيب الذي يسأل عني و هو اليمني الذي يعيش مأساة في وطنه التي تطحنها الحروب و تتقاسمها الفتن و تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها و هو يخشى علي أنا الأردني الذي أعيش في وطني حالة أمن ربما يحسدنا عليها كل أشقائنا العرب و الضحك لأنه رغم كل ما هو فيه و يحيط به لديه الوقت ليسأل عن صديق بينه و بينه آلاف الأميال و الصداقة من هذا النوع قليلة هذه الأيام.
لا أريد أن أخوض في الشأن اليمني السياسي و الأمني لأنني لا أكاد أفهم من يقاتل من و من مع من و من ضد من ، و أحزن على اليمن و على اليمنيين فقد زرت اليمن عشرات المرات و سافرت فيها بالسيارة إلى صعدة و حجة و عدن و مخا و تعز و صنعاء طبعا و تعرفت على أناس كلهم طيبون ، كلهم كرماء كلهم رائعون ، قد يكون اليمن متأخرا لكن أهله من أفضل العرب معدنا و أطيبهم وفادة ، عرفت أبو مداوي أهله و إخوانه و عائلته ، و نمت في ديارهم في صعدة و قضيت يومين من أجمل أيام العمر رغم قلة الخدمات المتوفرة لكنهم لم يألوا جهدا في كرم الضيافة ، و زرته في صنعاء و زرت أبو صدام أخيه أيضا ، و تعرفت إلى مستشار رئيس الجمهورية السابق الشيخ فيصل المناعي و إلى الشيخ محمد بن شاجع رحمه الله و إلى كثيرين من سياسيين و رجال أعمال و نواب و صحافيين ، و أظنني من الناس القلائل الذي جالوا اليمن و تعرفوا عليه و قد أحببنه.
في اليمن تستمتع و أنت تتمشى في باب اليمن في صنعاء بأزقته الضيقة الممتلئة بالحوانيت القديمة جدا و التي يصنع فيها اليمنيون الجنابي أو الشباري باللهجة الأردنية ، و يبيعون الأحجار الكريمة و الحناء و تشعر و أنت تتمشى في تلك الحواري و كأنك في العصر السبئي أو الحميري ، تستمتع و تكاد تشم رائحة الحضارة العربية في أعرق مواقعها ، و تشعر باسترخاء و أنت تستمتع بالنظر إلى مزارع العنب و الحمضيات و القات أيضا في صحارى الشام و هو الاسم الذي يطلقه اليمنيون على منطقة صعدة الجميلة لا يضاهيها فيه أي مكان آخر في العالم .
كل اليمنيين مسلحون و في كل مرة كنت أذهب إلى اليمن كان مضيفي يناولونني الكلاشنكوف و يقولون لي " خذ هذا بندقك " أي بندقيتك و أقول لهم يا إخوان أنا أت للزيارة و التجارة و ليس للحرب و يضحكون مني و اضحك منهم ، و نذهب سويا لتناول الشفوت و السلتة و الأرز اليمني و نسهر على أحاديث في كل مجال نتنقل فيها من التجارة إلى السياسة إلى النساء و غير ذلك و الحديث ذو شجون.
نساء اليمن على عكس ما يظن كثيرون فيهن عبق العروبة القديمة و جمال بلقيس و رونق حضارة عمرها الف الف عام ، و كثر منهن مثقفات و اللواتي لم ينلن قسطا من التعليم و الثقافة تمتلئ عيونهن بحكمة اليمن و روعته ، أما ما لفتني كثيرا أن اليمنيين ممتلئون بالتواضع المعطر بالكرامة و العزة و الأنفة و هم أهل كرم و مودة لا يستحق اليمنيون ما يحصل لليمن اليوم ، و لكن الغرب الصليبي الحاقد على العروبة و الإسلام لا يقبل اليمن إلا يمنان و لا يقبل العرب إلا عربانا ، و لا يقبل أن يخلي بيننا و بين أوطاننا كي نستمتع بها و نعيش بها أحرارا سادة مطمئنين حسدا من عند أنفسهم.
أبو مداوي أشكرك على اتصالك و سؤالك و خوفك علي ، لا تخف فنحن في الأردن نتحمل بعضنا بعضا و الحمد لله و نستطيع أن نمارس حرية التعبير و النقد فالوطن واسع و يتحمل كل الآراء و الاختلافات و الأوطان التي تفسح المجال للتعبير عن الرأي تحصن نفسها من الفتن و الحروب ، قلوبنا معكم و ندعوا الله العلي القدير أن يحفظ اليمن موحدا ، و أن يعم السلام و الأمن و الهدوء كل أرجاء اليمن و أن يعود اليمن سعيدا كما كان و ألف تحية للين عسى أن يكتب لنا اللقاء مرات أخرى في أفياء صنعاء و صعدة و عدن و أهلا بكم في الأردن وطنكم الثاني.