مبادئ ويلسون مرة أخرى .. !
محمد يونس العبادي
21-02-2018 09:10 PM
ما كادت تضع الحرب العالمية أوزارها حتى قدمت أمريكا مبادئها الأربع عشرة على الطاولة، في سعيها آنذاك إلى إعادة بناء العالم، وكان من بين هذه المبادئ الشهيرة للرئيس الثامن والعشرين وودر ويلسون بمنح الشعوب المتحررة عن تركيا الحق بتقرير مصيرها.
و "حق تقرير المصير" كان من الحقوق التي حاول الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة جعلها ممارسة في أسلوب عمل العالم، ونظرة الدول المنتصرة والعظمى للشعوب، وقد عاش طويلاً في الأدبيات السياسية التي حاول كثير من العرب الاتكاء عليها في سبيل إيصال صوتهم للعالم، ولقواه الدولية.
وجاءت بعد ذلك لجنة " كنغ – كراين" عام 1919 للوقوف على رأي أبناء منطقة المشرق العربي حول مستقبلهم السياسي، وحفلت الوثائق والصحف آنذاك بالحديث عن جولة اللجنة في مدن سوريا وفلسطين، وبين استطلاعاتها كان تأكيد العرب على رفضهم لإنشاء وطنٍ قومي لليهود في فلسطين.
هذه الممارسة السياسية التي قدمتها أمريكا للمنطقة، ومضى عليها نحو مئة عامٍ ، هي تجربة تستحق أن نعيد إلى قراءتها، والوقوف على مخرجاتها، إذ تم تجاوزها جميعاً من قبل دول الاستعمار كفرنسا وبريطانيا، ووضعت جانباً.
فهذه الوثائق رغم أنها ولدت في زمان الوجدان العربي المتقد بالوحدة، والمتجرع لمرارة الغدر البريطاني الفرنسي بوعود العرب إلا أنها جزء من تشكيل المنطقة التي تشهد اليوم تحولاتٍ لربما نستطيع القول أن الولايات المتحدة مشتبكة في كثير من تفاصيلها، وهي دولة عظمى إذ يفترض بها أن تولي التاريخ ووثيقته أهمية، خاصة إن كانت وثيقة من تخصها، وتعتبر شكلاً من أشكال العلاقة بينها وبين سكان المنطقة العربية.
فلجنة كنع كراين خرجت بحصيلة تؤكد أن سكان هذه المنطقة امتلكوا نفس المشاعر، ورفضوا ما تم لاحقاً عليهم من تجزئة ظالمةٍ وقيام كيانٍ يهودي في فلسطين، وجاء البحر بمددٍ منهم لم يستطع بر العرب صدهم، وعاشت الولايات المتحدة بعدها بانكماش سياسي عقبه حرب كان من نتيجتها ولادة إسرائيل عام 1948م.
السؤال الذي نطرحه اليوم.. هل أمريكا تفكر بعقلية تاريخية حيالنا، وتولي وثائق المنطقة التي هي على علاقةٍ بها أهمية أم أنها تتجاوزها خاصة وثيقة شعبية على أهمية ما تمخض عن لجنة كنج كراين والتي دعت في متنها إلى إيلاء اهمية للمطلب العربي بالوحدة ورفض قيام الدولة الصهيونية؟
المجريات تقول إن الولايات المتحدة لم تولها الأهمية الكبرى رغم أنها جاءت من رئيسها، إذ عادت إلى المنطقة عشية الحرب العالمية الثانية تبحث عن النفط والغاز، وتجاوزت كل ملامح الصداقة التي نشدها كثير من العرب معها، وتماهت خف مصالحها لتقودنا صيرورة الأحداث إلى صورة نمطية شابها كثير من السلبية وتوجت بقرار ترمب الذي تجاوز كل محددات الصراع وأدبياته، بل واعتبره البعض شكل آخر من أشكال وعد بلفور !
واليوم، وبعد كل هذا السوء في العلاقة العربية الأمريكية، خاصة على مستوى المزاج الشعبي حيالها، علينا أن نعترف أن دولة عظمى كالولايات المتحدة ، مطالبة بأن تحسن صورتها في منطقة نجزم أن لها مصالح بها، وأن تعيد قراءة أدبيات ووثائق أسست للعلاقة معها.. خاصة وأن بعض آراء العرب قبل نحو مئة عامٍ طالبوها أن تكون هي الدولة المنتدبة لا فرنسا وبريطانيا، فلماذا نتجاوز التاريخ ووثائقه؟ ولماذا لا تعيد الولايات المتحدة التفكير بالحمولة الثقيلة من الاشتباك والرهان والعلاقات معها وعليها ، عربياً ؟