قبض كل حزب ، خمسة وعشرين الف دينار ، من خزينة الدولة ، منذ مطلع العام ، وهي حصة كل حزب ، في التمويل الرسمي للاحزاب ، وعملية القبض تمت بيسر وسهولة ، في ظل اوضاع اقتصادية صعبة ومعقدة يعاني منها الاردن ، والعالم بأسره.
مرت ثلاثة شهور على عملية القبض المشرعنة بقانون وتشريعات ، تجعلها مالا حلالا ، ولم نشهد اي تغير على النشاط الحزبي في الاردن ، ومن المؤكد ان بعض الاحزاب ، فرحت بالمبلغ ، فرحا كبيرا ، وكل حزب بما لديهم فرحين ، غير ان من حقنا ، ان نسأل الاحزاب عن النشاطات التي مارستها ، بعد مرور الربع الاول الزمني ، على عملية استلام المبلغ ، حتى لا نستغرق في اعتبار دفع ايجارات المقرات ، وفواتير الهاتف ، ودفع ثمن ضيافة الشاي والقهوة ، مسؤولية من مسؤوليات الحكومة ، وواجب من واجبات شعبنا ، الذي مل من كثرة الدفع للحكومات والتلفزيون والجامعات والاحزاب ومخالفات السير والضرائب التي يعرفها ولا يعرفها ، ويدركها ولا يدركها.
اذا كنا نتحدث عن مصاعب اقتصادية ، وعن شد الاحزمة على البطون ، وتوقع انخفاض الواردات الحكومية ، من الضرائب ، وغيرها ، فهذا يعني ان مطالبتنا للحكومة بوقف كثير من النفقات ، ومطالبتنا لمجلس النواب ، بعدم الحصول على امتيازات مالية جديدة ، ومطالبة كل الجهات بالتدبر والتدبير ، هي مطالبات غير مكتملة ، والواقع ان العمل الحزبي في الاردن ، فشل في جميع احواله ، اذ فشل خلال تمويله خارجيا ، وفشل خلال فقره ، وفشل ايضا ، خلال تمويله محليا ، ولم نر ولم نسمع عن تنمية سياسية ، ولا عن اي دور سوى اصدار البيانات الحزبية ، والصوت العالي ، لا يعني شيئا في هذا الزمن ، اذ ان الربع الاول ، للاحزاب ، بعد تلقي التمويل ، كان ربعا عاديا ، ولا يختلف عن اي زمن كانت فيه الاحزاب تصرخ وتئن من فقرها.
الاحزاب مطالبة اليوم بالتضامن مع الناس ، واتخاذ موقف جماعي ، بالغاء هذه الحصة من المال العام ، ومثل هذه المبالغ التي تم صرفها للاحزاب التي صوبت وضعها ، من الاولى ان يتم صرفها لاخرين ، وقد قرأنا كيف ان الجهات الرسمية اضطرت لاعطاء الفين وخمسمائة طالب يستحقون منحا ، قروضا ، بدلا من المنح لعدم توفر المال ، وهي مفارقة ان يأخذ من يستحق منحة ، قرضا ، بدلا من حقه ، فيما يأخذ اخرون مالهم ، للتنعم به سياسيا ، في واجهات حزبية يعمل بعضها كمجرد دكاكين شخصية ، يعتاش منها البعض سياسيا وماليا واجتماعيا ، ولعلها دعوة هنا الى الجهات الرسمية ، الى تعديل كل التعليمات التي تبيح دفع مثل هذا المبلغ للاحزاب ، وتحويله الى قضايا اخرى ، اكثر استحقاقا ، هذا اذا كان متوفرا اصلا في موازنة العام الجديد ، الذي لا يعلم بأحواله الا الله ، ثم الراسخون في العلم.
لا تسمع من الاحزاب سوى نقدا وقدحا واعتراضا ، لكن بعض هذه الاحزاب تتحول الى كائنات مسالمة عند مثل هذا المبلغ ، وكأن بعض احزابنا مصابة بانفصام الشخصية ، فتجدها تعترض على اي انفاق وعلى سلوكيات الحكومة والنواب ، وبقية الاطراف ، لكنها تقف على الطابور ، لاستلام حصتها من "المعونة الوطنية" كحال الفقراء والمؤلفة وعابري السبيل والمساكين ، حتى كأني ببعضها احزاب للمؤلفة قلوبهم ، في مثل هذا المشهد ، الذي يشي بتناقضات ، لا حد ولا حصر لها في حياتنا.
من حق الجهات الرسمية ايضا ان تسأل الاحزاب ، عما فعلته في جردة حساب ، لمدى الاستفادة من هكذا مبالغ في التنمية السياسية ، بدلا من استخدامها في قضايا فنية واجرائية ، تتعلق بدفع النفقات ، التي على الاعضاء دفعها ، وليس من واجب المواطن الاردني غير المهتم بالعمل الحزبي ، دفعها ، لان الامر لا يعنيه ببساطة واختصار.
الاردن لا ينفعه "المؤلفة قلوبهم" وهو بحاجة الى من يرحمه ويرحم اهله.
m.tair@addustour.com.jo