بكل تداوينا فلم يُشفَ ما بنا
د. فهد الفانك
21-02-2018 12:45 AM
تستحق مؤسسة شومان الثقافية الشكر على محاولاتها اطلاع النخبة الأردنية على تجارب بعض الدول الناجحة التي كانت ضمن بلدان العالم الثالث الفقيرة ولكنها تحولت إلى مستوى يقرب من العالم الأول.
اطلعنا مثلاً على تجربة ماليزيا كما قدمها رئيس الوزراء الماليزي المزمن والتي يقال إنها حققت المعجزة. عندما عرض
السياسات والإجراءات التي ينصح بها من أجل النهضة فوجئنا بأن ما يقوله مطابق تماماً لنصائح صندوق النقد الدولي فلا جديد.
أما تجربة سنغافورة فقد أخذت وقتاً أطول، واعتمدت كثيراً على استيراد الخبراء، وبالنتيجة حققت التنمية وتحولت إلى دولة صناعية، ولكن تجربتها محدودة لأن سنغافورة ليست دولة مكونة من مدن وأرياف بل هي مدينة واحدة.
بالنتيجة قد تكون هناك متعة فكرية بالإطلاع على تجارب الدول التي نجحت لعلنا نستطيع أن نقتفي أثرها وننجح أيضاً، ولكن للأسف كان الحدث مجرد محاضرة أو مقال صحفي.
هناك محاولات عديدة بتقليد ما تفعله بلدان أخرى مثل فنلندا في مجال ثقافة المعرفة. إذا صح أننا نستطيع أن ننسخ تجربة دولة أخرى فلماذا نذهب إلى ماليزيا التي حاولت عبثاً أن تصنع سيارة فلم تجد من يشتريها، أو إلى سنغافورة وهي جزيرة في البحر، لماذا لا نذهب إلى الدول الأصيلة في تقدمها مثل ألمانيا؟.
تجارب الدول والشعوب غير قابلة للنقل لأنها بنت بيئة معينة لا تتوفر في كل مكان.
فيما يتعلق بالحالة الأردنية ليس هناك شك في توفر العلماء والخبراء الذين يعرفون ما يجب عمله ولكن معرفة ما يجب عمله لا تعني أن من السهولة بمكان أن يتم نسخها لتحقيق نفس النتائج.
من يقرأ الخطط الخمسية والثلاثية التي صاغها أردنيون يدرك أنه لا تنقصنا المعرفة بما يجب عمله لكن البيئة المحلية لا تسمح بتحويل الأفكار من الورق إلى الواقع ، وما حك جلدك مثل ظفرك.
ليس أدل على ذلك من تفوق الأردنيين والعرب في الخارج ونجاحهم البارز في ميادين العلوم والصناعة والتكنولوجيا، وقد حصل بعضهم على جائزة نوبل تقديراً لانجازاته العلمية، ولكنه عندما عاد إلى بلده لم يستطع أن يكون نفسه وتعرض للصدمة، وفي كثير من الأحيان عاد من حيث أتى.
الإبداع ينبع محلياً وليس تقليداً للآخرين، ولو كان تقليد تجارب الآخرين مجدياً لكنا في مقدمة الأمم والشعوب. لكن بكل تداوينا فلم يُشفَ ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد.
الرأي