المنطق كفيل بكشف زيف الوثائق ..
19-03-2009 12:42 AM
الضجة التي اثيرت حول ما قاله محمد حسنين هيكل ، في برنامجه على فضائية "جزيرة الفتن" ، لم يثرني محتواه كما اثار الكثيرين ، بل اثارني توقيته ، المتأخر جدا اولا ، واختياره في هذا الظرف بالذات ثانيا ، والذي يبدو ان البعض يشن فيه ما يشبه حرب الاعصاب على الاردن ، بهدف خلخلة نسيجه المتماسك ، وبالتالي اضعافه ، لغرض في نفس يعقوب ، رغم اننا من هذه الناحية مطمئنون الى مستقبل الاردن ، ولا حاجة بنا الى تكرار اسباب هذا الاطمئنان .
لقد شاهدت الخمس دقائق الاخيرة من تلك الحلقة التلفزيونية ، وتوقعت ما قد يكون محتوى الحلقة كاملا ، وبالتالي لم تثر لدي ادنى فضول ، فقد سمعنا مثل هذا الكلام بالستينات ، ومن خلال اثير الاذاعات ، واكتشفنا حينها او لاحقا ، انها ليست الا فيروسات امراض سياسية ، ما زال بعضها عصيا على العلاج ، لذلك لم اسعى لمشاهدتها عند اعادتها لمرتين فيما بعد ، لانني مللت من هذه المعزوفة المقرفة ، اما اليوم فقد ازداد فضولي لمعرفة كل دقائقها ، لمجرد انني فكرت برد ما ، فقرأتها مكتوبة على موقع الجزيرة ، فوجدتها اكثر ركاكة مما توقعت ، ويمكن تفنيدها بالمنطق ، دون حاجة لوثائق وما شابه ذلك ، واني لاعتب اشد العتب ، على رجالات التاريخ والسياسة لدينا ، الصامتون حتى اللحظة ، عن الرد الملائم ، ان لم يكن بالوثائق ، فبالاحداث التي عايشوها ، والتحليل المنطقي لها ولنتائجها ، وليس بالعواطف والانشاء فقط .
لا بد هنا من الفصل بين هيكل والزعيم الخالد جمال عبدالناصر ، الذي تغير موقفه تماما بعد هزيمة حزيران ، فقد اشاد بدور الملك في المعركة ، وبدوره في معركة الكرامة اللاحقة ، وكان يتفهم الموقف الاردني في كل الازمات التي تلت ، ولم يتغير هذا الموقف حتى اخر لحظة من عمره ، وما كان ذلك ليتم لولا تغير قناعات الرئيس عبد الناصر وادراكه للحقيقة ، وبالتاكيد فان المرحلة ما كانت لتعود ، لو امتد العمر بالرئيس جمال عبد الناصر ، وما يقوم به هيكل حاليا ، ما هو الا تسويق لبضاعة قديمة فاسدة .
ان حملة هيكل و"جزيرة الفتن" ، تحتاج الى رد ملائم يفند كل الادعاءات ، ويؤكد تفاهتها وانتهاء صلاحيتها ، يحشد له ذوي المعرفة والاطلاع ، والقدرة على التحليل المنطقي ، فوثائق هيكل قد لا تكون سوى قصاصات صحف ، واراء انتقائية لكتاب مشبوهين ، ولا بد ان هناك ما يقابلهم ممن يحملون امانة الكلمة ، والقدرة على التحليل ، ووضع الامور في سياقها الطبيعي ، في ظل الاجواء الاقليمية والدولية ، التي كانت سائدة تلك الفترة .
يجب علينا كاردنيين ، نفخر بقيادتنا الهاشمية ، وتاريخها المشرف ، وانجازاتها التاريخية ، والحاضر المبهر الذي صنعته ، والذي كان يبدو منذ عشرات السنين ، مستقبلا مستحيلا ، والانتماء الصادق لهذه القيادة الى امتها العربية ، يجب ان لا نخجل من التطرق الى كل نقطة تثار حول الاردن وقيادته ، وان لا نبقى نعيش حساسية سهام التخوين التي اطلقت باتجاه الاردن ردحا طويلا من الزمن ، يجب ان ينشر الاعلام الاردني ، النص الحرفي لكل ما قاله ويقوله هيكل ، حتى يطلع عليه كل من لم تسنح له فرصة المشاهدة ، ولكي يكون نصا حاضرا للدراسة المعمقة ، وان يقوم بفتح صفحاته لكل قلم غيور على وطنه وغيور على الحق ، فنحن على حق ، فلا نخجل من التطرق لكل التهم الباطلة ، وتفنيدها بكل صراحة .
اود ان اسأل هيكل ، هذا المحلل النفسي المبدع ، والقائمين على "جزيرة الفتنة" ، من هو الزعيم العربي ، الذي لم تطلق باتجهه سهام التخوين تلك ، فلقد كانت القضية الفلسطينية ، مقصلة لكثير من قيم الشرف والكرامة ، وكم سقط على مذبحها من ابرياء ، كانوا مشجبا تعلق عليه ، كل النتائج الكارثية لهواة المغامرات غير المحسوبة والاجندة المشبوهة ، اجادوا اطلاق القنابل الدخانية والصوتية ، لاخفاء الحقائق ، وحجب همس المؤامرات ، الم يكن الرئيس جمال عبد الناصر في حياته وبعد مماته ، من اكثر من تعرضوا لتلك السهام ؟
المعارك الاعلامية التي كانت توجه ضد الاردن في الستينات وما قبلها ، ربما اثرت في البعض ، فجعلته يغوص في تجربة المشاعر المضادة لوطنه وقيادته ، ليكتشف لاحقا تضليل الاعلام ، ومصداقية الحكم في الاردن وانسانيته ، هذا ما اثبتته تجارب الابناء الضالين وعودتهم ، لقد كانت انسانية الحكم وما زالت ، هي اقوى رابطة بين الشعب والقائد ، لم تؤثر فيها كل سموم الاذاعات والمنشورات والفضائيات ، اصبح الفرز واضحا تماما ، هناك حاكم يحب شعبه ، ويوظف كل عقلانيته لخير شعبه وتقدمه وسلامة ابنائه واجياله القادمة ، لا يهمه طعنات السطحيين والمتهورين ، واذى اتهاماتهم الساذجة ، وهناك حاكم لا يحب الا نفسه وحاشيته ، يتمترس خلف شعارات عفى عليها الزمن ، ظاهرها حق وباطنها باطل ، استبدل انسانية الحكم بظلام المعتقلات والمقابر الجماعية ، هناك حاكم جعل السياسة فن الممكن ، وباقل الخسائر صونا للوطن والشعب ، وحاكم جعل المباديء والشعارات ، صخورا جامدة ، تحطمت اخيرا على رؤوس ابناء شعبه .
m_nasrawin@yahoo.com