ما زال حديث رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي الذي أدلى به مؤخرا للتلفزيون الأردني محل اهتمام الرأي العام، وكذلك النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي لم يكن ممكنا سماع رأيها وسط ضجيج التعليقات الذي تتيحه مواقع التواصل الاجتماعي في زمننا هذا، حتى ظن البعض أن إبداء الرأي الموضوعي لا قيمة له عندما يكون المزاج العام سيئا، لأن ذلك الرأي مهما بلغت حصافته يمكن أن يتعرض للسخرية، وهو ما وقع لحديث رئيس الوزراء نفسه حين تم التغاضي عن إشارات بعضها على درجة عالية من الأهمية، وبعضها على درجة عالية من الخطورة، وتم التركيز على "عنق الزجاجة"!
ما يمكن فهمه من رئيس الوزراء هو أن التردد في اتخاذ إجراءات قاسية مؤلمة للحد من تفاقم أزمتنا الاقتصادية سيقودنا – لا سمح الله – إلى الإفلاس، صحيح أن بلوغ نسبة الدين العام المئة في المئة لا يعني بالضرورة الوصول إلى حالة الإفلاس، ولكنه يقودنا – لا سمح الله مرة أخرى – إلى منظومة الدول الفاشلة، وهو ما لا يمكن أبدا القبول بمجرد تصوره أو تخيله، لأن بلدا مثل الأردن يعيش وسط منطقة الصراعات المتواصلة منذ نشأته لا يقبل الفشل تحت أي ظرف من الظروف.
رئيس الوزراء قدم نموذجا لنفسه ولغيره يتلخص في أن مصارحة الناس بالحقائق مهما كانت صادمة أمر يستحقه الأردنيون الذين أظهروا على مر الزمان أنهم لا يقبلون "اللف والدوران والتذاكي" وأنهم أكثر الشعوب استعدادا لتحمل الأعباء والنتائج عندما يتعلق الأمر بحماية بلدهم وأمنه واستقراره ومنجزاته ومستقبل أجياله، وكل ما يطلبونه هو مصارحتهم بالحقائق، والصدق في القول والعمل، والأمثلة على ذلك معروفة ومشهودة.
ما نحتاجه اليوم هو البحث عن منطقة وسطى تلتقي فيها الحكومة والشعب على أساس من التشاركية والنزاهة والمساءلة، وكذلك المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، وفي ذلك توضيح لما ذكره رئيس الوزراء حول الثقة المفقودة بين الشعب والحكومة، فالعمل إذن على كسب تلك الثقة هو القاسم المشترك الأعظم الذي يمكن أن يحول تلك المنطقة الوسطى إلى ميدان نخوض منه معركتنا للتغلب على جميع أزماتنا.