التجربة الماليزية في التعليم العالي 4.0
د. عبدالله الزعبي
20-02-2018 01:08 AM
أحدثت الثورة الصناعية 4.0 أثراً عميقاً على التعليم وخلفت عدداً هائلاً من الابتكارات التكنولوجية التي تقود إلى ما أصبح يسمى التعليم 4.0 الذي يتشكل عبر تدريب الطلبة على إنتاج الابتكار والإبداع. لكن صورة الثورة الصناعية 4.0 لا تزال غامضة جداً ومن الصعب التنبؤ بدقة بما ستخلقه من فرص عمل جديدة وبما ستقضي عليه من وظائف قائمة. ويشهد العالم حالياً انظمة ذكاء صناعي تقوم بعمل المحامين وتأخذ مكان الاطباء على سبيل المثال لا الحصر. من الأهمية بمكان إذاً توفير التعليم الملائم للقوى العاملة المستقبلية التي تتطلب تغييرات عميقة في الجوانب الرئيسة للتعليم بما فيها هيكلته وإدارته واصول التربية والمحتوى وطرق ايصاله للطلبة، مثلما يتعين التركيز على مهارات بعينها وتطوير برامج تعليمية جديدة لتلبية تلك المطالب المتغيرة. ومن المؤكد حاجة العالم إلى جامعات قادرة على إنتاج خريج يمتلك القدرة على التفكير النقدي والمرونة المعرفية للتعامل مع تعقيد التكنولوجيا، إضافة إلى تحسين مهارات الاتصال والتعلم الذاتي والتعاون والإحاطة بالمجالات المعرفية والعاطفية والحركية من مثل التحليل والتطبيق والتقييم والابتكار. باختصار، تتطلب الثورة الصناعية 4.0 موارداً بشرية ملمة بالمعرفة الرقمية والبيانات إذ يقع جزء هام منها عند تقاطع تخصصات الهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية وإدارة الأعمال وعلوم الحاسوب، ولذلك تحتاج الجامعات بالتعاون مع الصناعة إلى وضع برامج جديدة متعددة التخصصات.
أدركت الحكومة الماليزية هذه الحقائق فأطلقت عام 2017 مبادرة التعليم العالي 4.0 التي تهدف إلى مواكبة التغييرات التي تطرأ على النظام الإيكولوجي للتعليم التقليدي ووضع سياسة شاملة لمعالجة القضايا بما يتماشى مع سياق التعليم 4.0، وشكلت فريق عمل لبناء نظام ديناميكي شامل للتعليم العالي. كما اتخذت العديد من الخطوات لإدخال نهج أكثر ابتكاراً يشمل طرق تدريس جديدة وتغييرات في المناهج وطرق التقييم، وتنفيذ آلية للنهج الجديد لضمان أن يكون حيوياً وشاملاً بما يكفي للنمو في عالم سريع التغير وصعب التنبؤ به. وتقوم الحكومة الماليزية حالياً بتثقيف الاساتذة وتطوير قدرة الطلاب على التعلم والتشكيك والنقد واستخلاص النتائج الخاصة بهم. كما تهدف مبادرة التعليم العالي 4.0 الماليزية إلى تقييم الحاجة إلى الموارد البشرية في المجالات التقنية الرئيسة من مثل إنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والتحليلات والحوسبة السحابية والواقع الافتراضي المعزز وأمن الشبكات والطباعة ثلاثية الأبعاد وما إلى ذلك. كما بدأت الحكومة باستهداف قطاع الصناعات التحويلية ووضع برامج جديدة متعددة التخصصات لتلبية الاحتياجات المستقبلية كخطوة أولى.
صاحب القرار في الاردن، وقطاع التعليم العالي بوجه خاص، مطالب اكثر من أي وقت مضى، بخوض معترك الثورة الصناعية 4.0 لأن فيها وبها يكمن مستقبل البلاد، وهي كفيلة بتحسين الاقتصاد الوطني والخروج من مأزق الديون والتعثر. الاردن يملك طاقات بشرية هائلة، لكنها تائهة ومحبطة وتحتاج إلى إعادة تأهيل وتطوير قدرات وتنمية مهارات، وتحديداً في مجالات الطب والهندسة والعلوم والحاسوب والأعمال التي تشكل قلب وعقل الثورة الصناعية 4.0. كما أن العديد من مكونات التعليم 4.0 موجودة بالفعل في نظام التعليم العالي لكنها تعمل في جزر معزولة، مثلما يتم تدريس العديد من المواد التقنية الأساسية في الجامعات المختلفة لكنها تحتاج إلى إعادة زيارة لتصبح أكثر فعالية في تنمية مهارات الطلاب الناعمة والوصول إلى المعرفة الرقمية والبيانات بسهولة. الثورة الصناعية 4.0 تمثل تحدياً هائلاً لكل دول العالم لكنها في الوقت نفسه تعتبر فرصة تاريخية عظيمة ليس للازدهار والتقدم فحسب وإنما للبقاء كذلك.